للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتوبيخ من لم يهاجر من أرض، لا يقدر على إقامة دينه فيها، والجهاد يستلزم السفر .. ذكر هنا أحكام من سافر للجهاد، أو هاجر في سبيل الله تعالى، إذا أراد الصلاة وخاف أن يفتن عنها، فبين أنه يجوز له أن يقصر منها، وأن يصلي جماعتها بالطريقة التي ذكرت في الآية الثانية من هذه الآيات.

قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَألَمُونَ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لمَّا كان (١) الكلام فيما سلف في شأن الحرب وما يقع فيها، وبيان كيفية الصلاة في أثنائها وما يلاحظ فيها إذا كان العدو متأهبًا للحرب، من اليقظة وأخذ الحذر، وحمل السلاح في أثنائها، وبين في أثناء السياق شدة عداوة الكفار لهم، وتربصهم غفلتهم، وإهمالهم ليوقعوا بهم .. نهى هنا عن الضعف في لقائهم، وأقام الحجة على كون المشركين أجدر بالخوف منهم؛ لأن ما في القتال من الألم والمشقة يستوي فيه المؤمن والكافر، ويمتاز المؤمن بأن له من الرجاء في ربه ما ليس عند الكافر، فهو يرجو منه النصر والمعونة، ويعتقد أنَّه قادر على إنجاز وعده، كما يرجو منه المثوبة على حسن بلائه في سبيله، وقوة الرجاء تخفف الآلام وتنسيه التعب والنصب.

قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنَّه سبحانه وتعالى لمَّا (٢) حذر المؤمنين من المنافقين أعداء الحق، وأمرهم أن يستعدوا لمجاهدتهم خوف أن يطمسوا معالم الدين والحق، ويهلكوا أهله .. أمرهم هنا أن يقوا بحفظ الحق، وأن لا يحابوا فيه أحدًا.

وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها (٣): أنَّه لما صرح بأحوال المنافقين، واتصل بذلك أمرُ المحاربة وما يتعلق بها من الأحكام الشرعية .. رجع إلى أحوال المنافقين؛ فإنَّهم خانوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما ينبغي، فأطلعه الله تعالى على ذلك، وأمره أن لا يلتفت إليهم.


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.