للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شكرتم وآمنتم، فإن ذلك لا يزيد في ملكه، كما أن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه، فهل (١) يعذبكم الله لأجل التشفي من الغيظ أم لطلب النفع أم لدفع التفسير، كما هو شأن الملوك، وكل ذلك محال في حقه تعالى، وإنما التعذيب أمر يقتضيه كفركم، فإذا زال ذلك بالإيمان والشكر انتفى التعذيب، وتقديم الشكر على الإيمان لأن الإنسان إذا نظر في نفسه .. رأى النعمة العظيمة حاصلة في تخليقها وترتيبها، فيشكر شكرًا مجملًا، ثم إذا تيمم النظر في معرفة المنعم .. آمن به، ثم شكر شكرًا مفصلًا، فكان ذلك الشكر المجمل مقدمًا على الإيمان.

والخلاصة: أنه تعالى لا يعذب أحدًا من خلقه انتقامًا منه، ولا طلبًا لنفع،، ولا دفعًا لمضرة؛ لأنه تعالى غني عن كل أحد، منزه عن جلب منفعة له، وعن دفع مضرة عنه، بل ذلك جزاء كفرهم بأنعم الله عليهم، فهو قد أنعم عليهم بالعقل والحواس والجوارح والوجدان، لكنهم استعملوها في غير ما خلقت لأجله من الاهتداء بها, لتكميل نفوسهم بالفضائل والعلوم والمعارف، كما كفروا بخالق هذه القوى، فاتخذوا له شركاء، ولا ينفعهم تسميتهم شفعاء أو وسطاء، حتى فسدت فطرتهم، ودنست أرواحهم، ولو آمنوا وشكروا .. لطهرت أرواحهم، وظهرت آثار ذلك في عقولهم، وسائر أعمالهم التي تصلحهم في معاشهم ومعادهم، واستحقوا بذلك رضوان الله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ} {وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {شَاكِرًا}؛ أي: قابلًا لأعمالكم مثيبًا عليها، موفيًّا أجوركم، وأتى (٢) في صفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة؛ ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل وينميه {عَلِيمًا} بشكركم وإيمانكم، فيجازيكم، وفي قوله: {عَلِيمًا} تحذير وندب إلى الإخلاص لله تعالى.

الإعراب

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}.

{إِنَّ}: حرف نصب، {الَّذِينَ}: في محل النصب اسمها، {آمَنُوا}: فعل


(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.