للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخلاصة: أن اللهَ لا يحبُّ الجهر بالسُّوء من القول، ولا الإسرار به؛ إذ هو قد نهى عن النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، لكنَّه خص الجهر هنا بالذكر؛ لمناسبة بيان مفاسد الكفار والمنافقين في هذا السياق، والجهر بالسوء أشد ضررًا من الإسرار به؛ لأن ضرره وفساده يفشو في جمهرة الناس ويعم سائر الطبقات.

{إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} قيل: الاستثناء فيه متصل، والمعنى عليه: لا يحبّ الله (١) تعالى أن يجهر أحد بالسّوء كائنًا من القول إلا جهر من ظلم فهو غير مَسْخوطٍ عليه عنده تعالى، وذلك بأن يقول: سرق فلان مالي، أو غصبني، أو سبني، أو قذفني، ويدعو عليه دعاء جائزًا؛ بأن يكون بقدر ظلمه، فلا يدعو عليه بخراب دياره لأجل أخذ ماله منه، ولا يسب والده وإن كان هو فعل ذلك، ولا يدعو عليه لأجل ذلك بالهلاك، بل يقول: اللهمَّ خلص حقي منه، أو اللهمَّ جازه أو كافئه، ولا يجوز أن يدعو عليه بسوء الخاتمة أو الفتنة في الدين. وقيل: (٢) الاستثناء فيه منقطع، والمعنى عليه: {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}، أي: لكن من ظلمه ظالم فجهر بالشكوى من ظلمه شارحًا ظلامته لحاكم أو غيره ممن ترجى نجدته ومساعدته على إزالة هذا الظلم .. فلا حرج عليه في ذلك؛ فإن الله لا يحب لعباده أن يسكتوا على الظّلم، ولا أن يخضعوا للضيم، بل يحب لهم العزة والإباء، فها هنا تعارضت مفسدتان: مفسدة الجهر بالشكوى من الظلم بقول السوء، ومفسدة السكوت على الظلم وهو مدعاة فشوه والتمادي فيه، وذاك مما يؤدي إلى هلاك الأمم وخراب العمران، وكانت ثانيهما أخف الضررين فأجيزت للضرورة التي تقدر بقدرها. وإذًا: فلا يجوز للمظلوم أن يتمادى في الجهر في السوء بما لا دخل له في دفع الظلم، وفي الحديث: "إن لصاحب الحق مقالًا". رواه الإِمام أحمد.


(١) المراح.
(٢) المراغي.