العبد ونفسه، وعقد بينه وبين غيره من البشر، وكل واحد منها .. إما أن يوجبه العقل الذي أودعه الله في الإنسان، ويتوصل إليه ببديهة العقل، أو بأدنى نظر، ويدل على ذلك قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}. وإما أن يوجبه الشرع، وهو ما دلَّنا عليه كتابُ الله تعالى وسنةُ رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأساس العقود في الإسلام هو هذه الجملة {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}؛ أي: إنه يجب على كل مؤمن أن يفي بما عقده وارتبط به من قول أو فعل كما أمر الله، ما لم يحرم حلالًا، أو يحلل حرامًا، كالعقد على أكل شيء من أموال الناس بالباطل؛ كالربا، والميسر والقمار، والرشوة، ونحو ذلك.
قيل (١): المراد بالعقود: هي التي عقدها الله تعالى على عباده، وألزمهم بها من الأحكام، وقيل: هي العقود التي يعقدونها بينهم من عقود المعاملات، والأولى شمول الآية للأمرين جميعًا، ولا وجه لتخصيص بعضهما دون بعض. قال الزجاج المعنى: أوفوا بعقد الله عليكم، وبعقدكم بعضًا على بعض، انتهى. والعقد الذي يجب الوفاء به هو ما وافق الكتاب والسنة، فإن خالفهما .. فهو ردٌّ لا يجب الوفاء به، ولا يحل.
والخلاصة: يا معشر المؤمنين ائتوا بالعقود والتكاليف التي ألزمها اللهُ تعالى إياكم بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وائتوا بموجب العقود الجارية بينكم من المعاملات، من بيع وإجارة مثلًا، وبموجب العقود التي جرت بينكم وبين أنفسكم من النذور، والعتاق، والطلاق.
ثم شرع يفصِّل تلك الأحكام التي أمر بالإيفاء بها، وبدأ بما يتعلق بضروريات معايشهم، فقال:{أُحِلَّتْ لَكُمْ} بعد تذكيتها {بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} الثلاثة، الإبل والبقر والغنم {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}؛ أي: إلا ما سيتلى عليكم تحريمه في هذه السورة، بقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إلخ؛ أي: أحل الله سبحانه