وأجيب عنها بأنَّ الحد إذا كان من جنس المحدود دخل فيه، كما في هذه الآية؛ لأنَّ المرفق من جنس اليد، وإذا لم يكن من جنس المحدود .. لم يدخل فيه، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} لأنَّ النهار من غير جنس الليل، فلا يدخل فيه.
والثالث من فروض الوضوء المذكورة في القرآن: مسح الرأس، وذكره بقوله عز وجل:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} جمع رأس والرأس معروف. وقد اختلف فقهاء الأمصار في أقل ما يحصل به فرض مسح الرأس، فقال الشافعي: يكفي أقل ما يصدق عليه اسم المسح ولو شعرة. وقال مالك: يجب مسح جميعه وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى عنه أنه يجب مسح أكثره. وقال أبو حنيفة: يجب مسح ربعه؛ لأن المسح إنَّما يكون باليد وهي تستوعب مقدار الربع في الغالب، وفي رواية أخرى عنه: أنه يجب مسح قدر ثلاثة أصابع منه.
والمراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح بالرأس، فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب مسح ما يقع عليه اسم المسح، وأخذ أبو حنيفة ببيان السنة وهو ما يروى عن الصغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين) متفق عليه. وقدرت الناصية بربع رأس.
والفرض الرابع من الفروض المذكورة في القرآن: غسل الرجلين، وذكره الله سبحانه وتعالى بقوله:{و} اغسلوا {أرجلكم إلى الكعبين} أي مع الكعبين. والكعبان: ها العظمان الناتئان عند مفصل الساق من الجانبين، أي: واغسلوا أرجلكم مع الكعبين ويؤيده عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل الصحابة، وقول أكثر الأئمة. قد روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا لم يغسل عقبة فقال:"ويل للأعقاب من النار". وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: تخلف عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرة، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثًا،