ومنها: التعبير بصيغة الماضي في قوله: {بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ} مع كون بعضه مترقبا حينئذ؛ لتغليب المحقّق على المترقّب نزوله، أو لتنزيل ما في شرف الوقوع لتحقّقه منزلة الواقع.
ومنها: التنكير في قوله: {عَلى هُدىً}؛ للدلالة على كمال تفخيمه، كأنّه قيل: على هدى أي هدى لا يقادر قدره.
ومنها: التعرّض لعنوان الربوبية في قوله: {مِنْ رَبِّهِمْ}؛ للدلالة على تفخيم الموصوف، وشرف المضاف إليهم.
ومنها: حسن التقسيم، وهو فنّ من فنون البلاغة، وهو استيعاب المتكلم جميع أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه، بحيث لا يغادر منه شيئا، فقد استوعبت هذه الآيات جميع الأوصاف المحمودة، والعبادات التي يعكف عليها المؤمنون؛ لأنّ العبادات كلّها تنحصر في نوعين: بدنيّة ومالية، ولا بدّ من استيفائهما لتكون العبادات كلّها مستوفاة.
فائدة مستجادة: وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث (١):
منها: ما أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» والحاكم والبيهقي عن أبيّ بن كعب قال: «كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فجاء أعرابيّ، فقال: يا نبي الله! إنّ لي أخا وبه وجع، فقال: «وما وجعه؟» قال: به لمم، قال: فأتني به، فوضعه بين يديه فعوّذه النبي صلّى الله عليه وسلّم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أوّل سورة البقرة وهاتين الآيتين: وإلهكم إله واحد، وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ}، وآية من الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} وآخر سورة المؤمنين {فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}، وآية من سورة الجنّ {وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا} وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، {وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين. فقام الرجل كأنّه لم يشتك قطّ،