للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الله سبحانه جلّ وعلا:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)}.

المناسبة

مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا (١) بيّن حال المتقين الذين يؤمنون بالغيب، وبما أنزل إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وما أنزل من قبله، وبيّن ما آل إليه أمرهم من الهداية والفلاح، أعقب هذا بشرح طائفة ثانية، وهم الكفرة الفجرة، وأبان أنّه قد بلغ من أمرهم في الغواية والضلال أن لا يجدي فيهم الإنذار والتبشير، وأن لا تؤثّر فيهم العظة والتذكير، فهم عن الصراط السوي ناكبون، وعن الحق معرضون. فالإنذار وعدمه سيّان، فماذا ينفع النور مهما سطع، والضوء مهما ارتفع؟ مع من أغمض عينيه حتى لا يراه بغضا له وعداوة لمن دعا إليه، لأنّ الجهل أفسد وجدانه، وأصبح لا يميّز بين نور وظلمة، ولا بين نافع وضارّ.

وقد جرت عادة الله في مثل هؤلاء الذين مرنوا على الكفر أن يختم على قلوبهم، فلا يبقي فيها استعدادا لغير الكفر، ويختم على سمعهم، فلا يسمعون إلّا أصواتا لا ينفذ منها إلى القلب شيء ينتفع به، ويجعل على أبصارهم غشاوة، إذ هم لم ينظروا إلى ما في الكون من آيات وعبر، ولم يبصروا ما به يتقون الخطر، فكأنّهم لا يبصرون شيئا، وكأنّه قد ضرب على أبصارهم بغشاوة.

وقد حكم الله سبحانه عليهم بالعذاب الأليم في العقبى، وفقد العزّ والسلطان في الدنيا، كما قال سبحانه: {لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ}.


(١) المراغي.