للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حقه .. فكأنما استحل قتل الناس جميعًا؛ لأنَّهم لا يسلمون منه، ومن تورع عن قتل مسلم .. فكأنَّما تورع عن قتل جميع الناس فقد سلموا منه.

وخلاصة معنى قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا} إلخ؛ أي. (١) أنَّه بسبب هذا الجرم الفظيع، والقتل الشنيع الذي فعله أحد هذين الأخوين ظلمًا وعدوانًا، فرضنا على بني إسرائيل أنَّه من قتل نفسًا؛ أي: بغير سبب موجب للقصاص الذي شرعه الله تعالى في قوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية. {أَوْ} قتل نفسًا بغير سبب {فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} يسلب الأمن والطمأنينة، كالحرق، وإهلاك الحرث والنسل، كما تفعله عصابات اللصوص المسلحة المستعدة لقتل الأنفس، ونهب الأموال، أو إفساد الأمر على الدولة التي تقوم بتنفيذ حدود الله تعالى، من يفعل شيئًا من ذلك .. فكأنما قتل الناس جميعًا؛ إذ الواحد يماثل النوع، فمن استحل دمه بغير وجه حق .. استحل دم كل واحد كذلك لأنَّه مثله، والمقصد من ذلك تعظيم أمر القتل العمد العدوان، وتفخيم شأنه؛ أي: فكما أن قتل كل الخلق مستعظم مستبشع لدى الناس كلهم .. فكذلك قتل الواحد مستفظع مستعظم، وكيف لا يكون مستعظمًا وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية. وقرىء: {مِنْ أَجْلِ} بحذف الهمزة وإلقاء فتحتها على النون. وقريء {مِنْ أَجْلِ} بكسر الهمزة وهي لغة فيه كما مرّ. {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}؛ أي: ومن كان سببًا في حياة نفس واحدة بإنقاذها من موت كانت مشرفة عليه .. فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ لأنَّ الباعث له على الإنقاذ - وهو الشفقة والرحمة واحترام الحياة الإنسانية، والوقوف عند حدود الشرع - دليل على أنه إذا استطاع أن ينقذهم كلهم من الهلاك .. لا يدخر وسعًا، ولا يني في ذلك.

وفي الآية إرشاد إلى ما يجب عن وحدة البشر، وحرص كل منهم على حياة الجميع، والابتعاد عن ضرر كل فرد، فانتهاك حرمة الفرد انتهاك لحرمة الجميع،


(١) المراغي.