للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصله (١): أنّ من جحد الله سبحانه، أو أنكر وحدانيته، أو أنكر شيئا مما أنزله على رسوله، أو أنكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو نبوة أحد من الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهو كافر، فإن مات على ذلك فهو في النار خالدا فيها، ولا يغفر الله سبحانه له.

والمراد بالذين كفروا هنا: من علم الله سبحانه أنّ الكفر قد رسخ في قلوبهم حتى أصبحوا غير مستعدّين للإيمان بجحودهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وبما جاء به بعد أن بلغتهم رسالته بلاغا صحيحا، وعرضت عليهم الدلائل على صحتها للنظر والبحث، فأعرضوا عنها عنادا واستهزاء. وسبب كفرهم: إما عناد للحق بعد معرفته، وقد كان من هذا الصنف جماعة من المشركين واليهود في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كأبي جهل وأضرابه، وأحبار اليهود، ككعب بن الأشرف وإما إعراض عن معرفته، واستكبار عن النظر فيه.

والمعرضون عن الحقّ يوجدون في كلّ زمان ومكان، وهؤلاء إذا طاف بهم طائف الحقّ لوّوا رؤوسهم، واستكبروا، وهم معرضون، وفيهم يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.

{سَواءٌ عَلَيْهِمْ} أي (٢): مستو عند هؤلاء الكفرة، وهو اسم مصدر بمعنى الاستواء، وصف به كما يوصف بالمصادر مبالغة، كما في قوله تعالى: {تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ}. وارتفاعه على أنّه خبر إنّ، وقوله: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} يا محمد {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} مرتفع على الفاعلية بسواء؛ لأنّ الهمزة وأم مجرّدتان عن معنى الاستفهام؛ لتحقيق معنى الاستواء بين مدخوليهما، كما جرّد الأمر والنهي عن معنييهما؛ لتحقيق معنى الاستواء في قوله عزّ وجلّ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} كأنّه قيل: إنّ الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه، كقولك: إن


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.