للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبارة المراغي (١): أي أنزلناها قانونًا يحكم به النبيون الذين أسلموا وجوههم لله مخلصين له الدين، موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل إلى عيسى عليه السلام، للذين هادوا؛ أي: لليهود خاصة لأنها شريعة خاصة بهم لا عامة، ولم يكن لداود وسليمان وعيسى شريعة دونها. انتهت.

وقال الحسن والزهري وعكرمة وقتادة والسدي (٢): يحتمل أن يكون المراد بالنبيين الذين أسلموا هو سيدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لأنَّه حكم على اليهوديين بالرجم، وكان هذا حكم التوراة، وإنَّما ذكر بلفظ الجمع تعظيمًا له، ولأنَّه قد اجتمع فيه من خصال الخير ما كان حاصلًا لأكثر الأنبياء.

وقال ابن الأنباري: هذا رد على اليهود والنصارى؛ لأنَّ بعضهم كانوا يقولون الأنبياء كلهم يهود أو نصارى، فرد الله عليهم بذلك؛ أي: فإنَّ الأنبياء ما كانوا موصوفين باليهودية والنصرانية بل كانوا مسلمين؛ أي: منقادين لتكاليف الله تعالى، وفي ذلك تنبيه على قبح طريقة هؤلاء اليهود المتأخرين، فإن غرضهم من ادعاء الحكم بالتوراة أخذ الرشوة، واستتباع العوام، وتعريض بهم بأنهم بعدوا عن الإِسلام الذي هو دين الأنبياء عليهم السلام.

وقال ابن عباس: {لِلَّذِينَ هَادُوا}؛ أي: تابوا من الكفر ورجعوا عن عبادة العجل، وقال الزجاج (٣): ويحتمل أن يكون في الآية تقديم وتأخير على معنى: إنَّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا {وَالرَّبَّانِيُّونَ}؛ أي: ويحكم بأحكام التوراة الربانيون؛ أي: العلماء المجتهدون الذين انسلخوا من الدنيا، وزهدوا فيها، واشتغلوا بتربية الناس بالدين والعلم {وَالْأَحْبَارُ}؛ أي: ويحكم بها الأحبار؛ أي: العلماء الذين حبروا وستروا الجهل والضلال بعلمهم وصلاحهم، والتزموا طريقة النبيين، وجانبوا دين اليهود، فالمراد بالربانيين الزهاد، وبالأحبار العلماء. وعن ابن عباس: الربانيون الذين يسوسون الناس بالعلم ويربونهم بصغاره قبل كباره، والأحبار هم الفقهاء وسائر علمائهم


(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) زاد المسير.