ورسوله والمؤمنين، وأنَّ الله ورسوله بريئان منه، إلى أن قال: غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي يهود أو نصارى جزعًا على نفسه من دوائر الدهر؛ لأن الآية التي بعد هذه تدل على ذلك. اهـ.
ثم ذكر علة هذا النهي فقال:{بَعْضُهُم}؛ أي: بعض كل فريق من ذينك الفريقين {أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} آخر من فريقه، لا من الفريق الآخر، لما هو معلوم من أنَّ الفريقين بينهما غاية العداوة، وإنما أوثر الإجمال تعويلًا على ظهور المراد، لوضوح انتفاء الموالاة بين الفريقين رأسًا، ومن ضرورة موالاة بعضهم لبعض اجتماع الكل على مضارتكم، فكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة؟ وقيل: المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى، وتعاضدها، وتناصرها على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعداوة ما جاء به، وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادين، ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أنَّ هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم، فتكونوا مثلهم، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال: ومن يتولهم منكم إلخ؛ أي: إنَّ اليهود بعضهم أنصار بعض، والنصارى بعضهم أنصار بعض، ولم يكن للمؤمنين منهم ولي ولا نصير، إذ كان اليهود قد نقضوا ما عقده الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم من العهد من غير أن يبدأهم بقتال ولا عدوان، فصار الجميع حربًا للرسول ومن معه من المؤمنين، ثم توعد من يفعل ذلك فقال:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} يا معشر المؤمنين؛ أي: ومن ينصرهم أو يستنصر بهم من دون المؤمنين - وهم أعداء لكم - {فَإِنَّهُ}؛ أي: فإنَّ ذلك المتولي في الحقيقة {مِنْهُمْ} لا منكم؛ لأنه معهم عليكم، إذ لا يتصور أن يقع ذلك من مؤمن صادق، والمعنى: فإنَّه من جملتهم وفي عدادهم؛ وهو وعيد شديد، فإنَّ المعصية الموجبة للكفر هي الي قد بلغت إلى غاية ليس ورائها غاية. قال ابن جرير (١): فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين .. فهو من أهل دينهم فإنَّه لا يتولى متول أحدًا إلا وهو راضٍ به وبدينه وما هو عليه؛ وإذا رضيه ورضي دينه .. فقد عادى من خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه انتهى.