والأعمش:{يسرعون} بغير ألف من أسرع. {يقولون}؛ أي: يقول المنافقون معتذرين عنها إلى المؤمنين؛ إنما نخالط اليهود لأنَّا {نَخْشَى} ونخاف خوفًا شديدًا في المستقبل {أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وتدور علينا حادثة من حوادث الدهر، ويقع علينا مكروه، وتصيبنا مصيبة من مصائب الدهر، كالهزيمة في الحروب، والقحط والجدب، فنحتاج إلى نصرتهم وإقراضهم لنا، فعلينا أن نتخذ لنا أيادي عندهم في السراء نتشفع بها إذا مستنا الضراء. قال ابن عباس: معناه: نخشى أن لا يتم أمر محمد، فيدور علينا الأمر كما كان قبل محمد نتشفع، وقيل: الدائرة في المكروه كالجدب والقحط، والدولة في المحبوب.
وخلاصة ذلك: أنهم يخشون أن تدول الدولة لليهود أو المشركين علي المؤمنين فيحل بهم العقاب لأنهم في شك من نصر الله لنبيّه، وإظهار دينه على الدين كله، إذ لم يوقنوا بنبوته ولا بصدقها، وهكذا شأن المنافقين في كل زمان ومكان، فكثير من وزراء بعض الدول الضعيفة يتخذ له يدًا عند دولة قوية، يلجأ إليها إذا أصابته دائرة، فتغلغل نفوذ هذه الدول في أحشاء هذه الدولة وضعف استقلالها في بلادها بعملهم ولله الأمر من قبل ومن بعد، ثم رد على هؤلاء المنافقين، وقطع أطماعهم وبشر المؤمنين فقال:{فَعَسَى اللَّهُ}؛ أي: حقق الله سبحانه وتعالى {أَنْ يَأتِيَ بِالْفَتْحِ} والنصر لرسوله - صلى الله عليه وسلم - على أعدائه، وإظهار دينه على الأديان كلها، وإظهار المسلمين على أعدائهم من الكفار واليهود والنصارى، وقد فعل الله ذلك بمنه وكرمه، فأظهر دينه ونصر عبده {أَوْ} يأتي بـ {أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} سبحانه وتعالى في هؤلاء المنافقين، كفضيحتهم أو إيقاع العقاب بهم {فَيُصْبِحُوا}؛ أي: فيصبح هؤلاء المنافقين ويصيروا {عَلَى مَا أَسَرُّوا} وأضمروه وكتموه {فِي أَنْفُسِهِمْ} وقلوبهم من اتخاذ الأولياء على المؤمنين، وتوقع الدوائر عليهم فضلًا عما أظهروه مما أشعر على نفاقهم {نَادِمِينَ} خاسرين، وعسى في كلامه تعالى للتحقق؛ لأن الكريم إذا أطمع في خير .. فعله، وهو بمنزلة الوعد لتعلق النفس به ورجائها له. والفتح إمَّا فتح مكة الذي كان به ظهور الإِسلام والثقة بقوته وإنجاز الله وعده لرسوله، وإما فتح بلاد اليهود في الحجاز كخبير وفدك وغيرهما، والأمر إما الإيقاع باليهود وإجلائهم عن موطنهم وإخراجهم من