والباقون بواحدة مشددة، وهي لغة تميم. {مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} الحق الذي هو عليه وهو دين الإِسلام فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر بعد الإيمان، فيختار إما اليهودية أو النصرانية، أو غيرهما من أصناف الكفر {فـ} لن يضر الله شيئًا، وإنَّما ضر نفسه برجوعه عن الدين الصحيح الذي هو دين الإِسلام لأنه {سوف يأتي الله} سبحانه وتعالى، ويجيء في المستقبل بدل المرتدين عن دينهم {بِقَوْمٍ} موصوفين بصفات ستة:
الأول والثاني منها: ما ذكره بقوله: {يُحِبُّهُمْ} الله سبحانه وتعالى؛ أي: يلهمهم الطاعة ويثيبهم عليها. ومعنى محبة الله إياهم: إنعامه عليهم، وتوفيقه إياهم وهدايته إياهم إلى طاعته، والعمل بما يرضى به عنهم {وَيُحِبُّونَهُ}؛ أي: يحبون الله تعالى ويطعيونه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومعنى محبتهم لله تعالى: المسارعة إلى طاعته وتقديم خدمته على كل شيء، وابتغاء مرضاته، وأن لا يفعل ما يوجب سخطه وعقوبته، وأن يتحبب إليه بما يوجب له الزلفى لديه، جعلنا ممن يحبهم ويحبونه بمنه وكرمه، ولما كانت محبتهم لله ناشئة عن محبة الله إياهم .. قدم محبة الله على مجتهم، والأقرب أن الآية عامة لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن كان على قدمهم إلى يوم القيامة بقرينة التسويف.
والثالث منها: ما ذكره بقوله: {أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: مشفقين عليهم، عاطفين لهم، أرقاء، رحماء لأهل دينهم وإخوانهم من المؤمنين، متذللين لهم، جمع ذليل لا ذلول كما سيأتي في مبحث الصرف. وقرىء شاذًا {أذلة} وهو اسم، كذا {أعزةً} نصبًا على الحال من النكرة أعني: {بِقَوْمٍ}؛ لأنها قربت من المعرفة بوصافها.
والرابع منها: ما ذكره بقوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}؛ أي: أشداء أقوياء، غلظاء على أعدائهم الكافرين. وقرأ عبيد الله:{غلظاء على الكافرين} مكان أعزة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} يعني أهل رقة على أهل دينهم {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} أهل غلظة على من خالفهم في دينهم. وقال ابن عباس رضي الله عنه: تراهم كالولد لوالده، وكالعبد لسيده، وهم في الغلظة على الكافرين كالسبع على فريسته.