للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومشايخهم خنازير {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}؛ أي: وأطاع الشيطان في وسوسته وتزينه لهم الكفر والمعاصي التي منها عبادة العجل، وعبارة الواحدي هنا: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ}؛ أي: أخبركم {بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ}؛ أي: بشر من المسلمين الذين طعنتم عليهم {مَثُوبَةً}؛ أي: جزاء وثوابًا {عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ}؛ أي: هو من لعنه الله؛ أي: أبعده عن رحمته انتهت. والمعنى: قل (١) هل أنبئكم بشر من أهل ذلك الذين مثوبة؟ فإن قلت هذا يقتضي أن الموصوفين بذلك .. محكوم عليهم بالشر لأنَّه تعالى قال {بشر من ذلك}، ومعلوم أنَّ الأمر ليس كذلك فما جوابه؟.

قلت: جوابه أنَّ الكلام خرج على حسب قولهم واعتقادهم، فإنَّ اليهود حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر، فقال لهم: هب أن الأمر كذلك لكن من لعنه الله وغضب عليه ومسخ صورته شر من ذلك.

وفي قوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ} انتقال (٢) بهم من تبكيت لهم بإقامة الحجة على هزئهم ولعبهم بما ذكر إلى ما هو أشد منه تبكيتًا وتشنيعًا عليهم، ذلك هو التذكير بسوء حال أبائهم من أنبيائهم، وما كان من جزاء الله لهم على فسقهم وتمردهم، بأشد ما جازى به الفاسقين الذين ظلموا أنفسهم من اللعن والغضب والمسخ وعبادة الطاغوت.

أمَّا اللعن فقد ذكر في عدة مواضع من القران الكريم مع بيان أسبابه، والغضب الإلهي يستلزم اللعنة، واللعنة تلزمه، إذ هي منتهى المؤاخذة لمن غضب الله عليه. وأمَّا جعله منهم قردة وخنازير فقد تقدم في سورة البقرة: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)} وسيأتي في سورة الأعراف {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} وجمهرة العلماء على أنهم مسخوا فكانوا قردة وخنازير على الحقيقة، وانقرضوا لأن الممسوخ لا يكون له نسل، ونقل ابن جرير عن مجاهد، أنَّه قال: مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كما ضرب المثل بقوله: {كَمَثَلِ


(١) الخازن.
(٢) المراغي.