فيهما ثلاثة أوجه لفظ الجمع، وهو المختار، ويليه التثنية عند بعضهم، وعند بعضهم الإفراد مقدم على التثنية، فيقال: قطعت رؤوس الكبشين، وإن شئت قلت: قطعتُ رأسي الكبشين، وإن شئت قلت: رأس الكبشين، ومنه فقد صغت قلوبكما، وفي النفس من كون المراد باللسان الجارحة شيء، ويؤيد ذلك ما مال له الزمخشري، فإنَّه قال: نزل الله لعنهم في الزبور على لسان داود، وفي الإنجيل على لسان عيسى، وقوة هذا تأبى كونه للجارحة، ثم إني رأيت للواحديّ ذَكَر عن المفسرين قولين، ورجح ما قلته. اهـ. "سمين".
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا} أصله عصيوا، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا فالتقى ساكنان، ثم حذفت الألف، فصار عصوا لأنّه من عصى سيده يعصى من باب رمى عصيًا، ومعصية إذا خرج في طاعته، وخالف أمره وعانده فهو عاص. {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} ظاهره (١) أن التفاعل بمعنى الاشتراك، أي: لا ينهى بعضهم بعضًا، وذلك أنهم جمعوا بين فعل المنكر والتجاهر به، وعدم النهي عنه، والمعصية إذا فعلت وقدرت على العبد .. ينبغي أن يستتر بها وفي الحديث من ابتلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر، فإذا فعلت جهارًا وتواطئوا على عدم الإنكار .. كان ذلك تحريضًا على فعلها"، ومسببًا مثيرًا لإفشائها وكثرتها. وقيل: التفاعل هنا بمعنى الافتعال، يقال: انتهى عن الأمر وتناهى عنه إذا كف، والمعنى كانوا لا يمتنعون عن منكر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}. لأنَّ التحريم هنا مستعمل في المنع مجازًا، لانقطاع التكليف في دار الاخرة. وفيه أيضًا إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتهويل الأمر وتربية المهابة.
ومنها: الإظهار أيضًا في مقام الإضمار في قوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ