هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما نهى في الآية السالفة المُحْرِمَ عن الاصطياد .. بيّن هنا أن البيت الحرام كما أنه سبب لأمن الوحش والطير، هو سبب لأمن الناس من الآفات والمخاوف، وسبب لحصول الخيرات والسعادات في الدنيا والآخرة.
قال أبو حيان (١): قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة: وذلك أنه تعالى ذكر تعظيم الإحرام بالنهي عن قتل الوحش فيه بحيث شرع بقتله ما شرع، وذكر تعظيم الكعبة بقوله:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} فذكر تعالى في هذه الآية أنه جعل الكعبة قيامًا للناس؛ أي: ركز في قلوبهم تعظيمها بحيث لا يقع فيها أذى أحد، وصارت وازعة لهم من الأذى، وهم في الجاهلية الجهلاء لا يرجون جنة، ولا يخافون نارًا؛ إذ لم يكن لهم ما يمنعهم من أذى بعضهم، فقامت لهم حرمة الكعبة مقام حرمة الملك، هذا مع تنافسهم وتحاسدهم ومعاداتهم وأخذهم بالثأر، ولذلك جعل الثلاثة المذكورة بعد الكعبة قيامًا للناس، فكانوا لا يهيجون أحدًا في الشهر الحرام، ولا من ساق الهدي؛ لأنه يعلم أنه لم يجىء لحرب، ولا من خرج يريد البيت بحج أو عمرة، فتقلد من لحى الشجر، ولا من قضى نسكه، فتقلد من شجر الحرم، ولما بعثت قريش زمن الحديبية إلى المؤمنين الحلس .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا رجل يعظم الحرمة فالقوه بالبدن مشعرة" فلما رآها الحلس عظم عليه ذلك، وقال: ما ينبغي أن يصد هؤلاء، ورجع عن رسالة قريش. انتهى.
قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أرشدنا إلى بعض آيات علمه في خلقه التي جعل بها البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد .. نبهنا في هذه الآية إلى أن العلم بكل شيء لا يمكن أن يترك الناس سدى، فهو لم يخلقهم عبثًا، ومن ثم لا يليق بحكمته وعدله أن يجعل الذين اجترحوا