للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرُ تَقَيٍّ يَأمُرُ النَّاسَ بالتُّقَى ... طَبِيْبٌ يُدَاوِيْ النَّاسَ وَهْوَ مَرِيْضُ

وقال الآخر:

فَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرُ ... بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأمُرُ آتِيَا

فائدة: واعلم أنه يشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعلم به أن ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر؛ لأنه إذا كان جاهلًا بذلك، فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، ولا سيما في هذا الزمن الذي عم فيه الجهل، وصار فيه الحق منكرًا، والمنكر معروفًا، والله تعالى يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. ويشترط في وجوبه مظنة النفع به، فإن جزم بعدم الفائدة فيه .. لم يجب عليه، كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)}.

والخلاصة: أن العلماء من السلف متفقون على أن المؤمن لا يكون مهتديًا إذا أصلح نفسه ولم يهتم بإصلاح غيره؛ بأن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، وأن ذلك فرض لا هوادة فيه، ولكن هذه الفريضة تسقط إذا فسد الزمان فسادًا لا يرجى معه تأثير الوعظ والإرشاد، أو فسادًا يؤدي إلى إيذاء الواعظ المرشد؛ بأن يعلم أو يظن ظنًّا قويًّا بأن لا فائدة من نصحه، أو بأنه سيؤذى إذا هو أمر بمعروف أو نهى عن منكر، ويحرم عليه ذلك إذا أدَّى إلى الوقوع في التهلكة.

وحكى الزمخشري عن نافع أنه قرأ (١): {عليكم أنفسُكم} بالرفع، وهي قراءة شاذة تخرَّج على وجهين:

أحدهما: يرتفع على أنه مبتدأ، و {عليكم} في موضع الخبر، والمعنى: على الإغراء.

والوجه الثاني: أن يكون توكيدًا للضمير المستكن في {عَليْكُمْ}، ولم يؤكد بمضمر متصل؛ إذ قد جاء ذلك قليلًا، ويكون مفعول عليكم محذوفًا لدلالة


(١) البحر المحيط.