للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نعم الله عليه، فقال: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ}؛ أي: واذكر يا محمد لأمتك قصة حين قال الحواريون لعيسى عليه السلام. {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}؛ أي: هل يرضى ربك ويختار {أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}؛ أي: أن يهبط لنا من السماء خوانًا وطبقًا عليها طعام، فنأكل منه إذا نحن سألناه، أو سألته لنا ذلك؟

قرأ الجمهور: {يَسْتَطِيعُ} بالياء على الغيبة، ورفع {رَبُّكَ}؛ أي: هل يفعل ربك ذلك إن سألته لنا أو سألناه نحن؟ قال ابن الأنباري: ولا (١) يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكُّوا في قدرة الله، وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي؟ وهو يعلم أنه مستطيع، ولكنه يريد: هل يسهل عليك ذلك؟ وقال أبو علي: المعنى: هل يفعل ذلك بمسألتك إياه، وزعم بعضهم أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إيمانهم ومعرفتهم، فرد عليهم عيسى بقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ} أن تنسبوه إلى عجز، والأول أصح. وفسر (٢) بعضهم الاستطاعة بمعنى: القدرة، وقالوا: إن هذا السؤال لا يصدر عن مؤمن صحيح الإيمان، وأجابوا عن ذلك بعدة أجوبة:

الأول: أن هذا السؤال لأجل اطمئنان القلب بإيمان العيان، لا للشك في قدرة الله على ذلك؛ كما سأل إبراهيم عليه السلام رؤية كيفية إحياء الموتى ليطمئن قلبه بإيمان الشهادة والمعاينة مع إقراره بإيمانه بذلك الغيب.

الثاني: أنه سؤال عن الاستطاعة بحسب الحكمة الإلهية؛ أي: هل ينافي الحكمة الإلهية أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ فإن ما ينافي الحكمة لا يقع، وإن كان مما تتعلق به القدرة؛ كعقاب المحسن على إحسانه، وإثابة الظالم على ظلمه.

الثالث: أن المراد: هل تستطيع سؤال ربك؟

وقرأ الكسائي (٣): {تستطيع} بتاء الخطاب لعيسى، و {رَبُّكَ} بالنصب على التعظيم، بإدغام اللام في التاء، وبه قرأ علي وابن عباس، وسعيد بن جبير،


(١) زاد المسير.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.