للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغض بصره، وقال: {اللَّهُمَّ} يا {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا {أَنْزِلْ عَلَيْنَا} معشر المؤمنين {مَائِدَةً}؛ أي: خوانًا عليه طعام {مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا}؛ أي: نتخذ يوم نزولها عيدًا نعظمه ونصلي فيه، وقوله: {لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} بدل من {لَنَا} بإعادة الجار؛ أي: يكون يوم نزولها عيدًا لأهل زماننا، ولمن يجيء بعدنا لكي نعبدك فيه، فنزلت في يوم الأحد، فاتخذه النصارى عيدًا لهم {و} هو تكون {آيَةً} صادرة {مِنْكَ} لنا دالة على وحدانيتك وكمال قدرتك، وصحة نبوة رسولك عيسى عليه السلام {وَارْزُقْنَا}؛ أي: وأعطنا هذه المائدة المطلوبة لنا، أو ارزقنا رزقًا نستعين به على عبادتك. {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وأفضل المعطين، بل لا رازق في الحقيقة غيرك، ولا معطي سواك. والمعنى: أن (١) عيسى عليه السلام لما علم صحة قصدهم، وأنهم لا يريدون تعجيزه، ولا اقتراح آية .. دعا الله بهذا الدعاء، وناداه بالاسم الكريم الدال على الألوهية والقدرة والحكمة إلى نحو ذلك من صفات الكمال، ثم باسم الرب الجامع لمعنى الملك والتدبير والتربية والإنعام؛ أي: يا الله، يا مالك أمرنا، ومتولي تربيتنا أنزل علينا مائدة سماوية يراها هؤلاء المقترحون بأبصارهم، وتتغذى بها أبدانهم، وتكون عيدًا خاصًّا بنا معشر المؤمنين دون غيرنا، بأول من آمن منا، وآخر من آمن، واجعلها علامة من لدنك ترشد القوم إلى صحة دعوتي وصدق نبوتي، وارزقنا منها ومن غيرها ما به تتغذى أجسامنا، فأنت خير الرازقين، ترزق من تشاء بغير حساب، ومن محاسن هذا الدعاء: أنه أخَّر ذكر الفائدة المادية للمائدة عن ذكر فائدتها الدينية الروحية بعكس ما فعله الحواريون؛ إذ قدموا الأكل على غيره من الفوائد الأخرى.

وقرأ الجمهور (٢): {تَكُونُ لَنَا} على أن الجملة صفة لـ {مَائِدَةً}. وقرأ عبد الله والأعمش: {يكن} بالجزم على جواب الأمر، والمعنى: يكن يوم نزولها عيدًا وهو يوم الأحد، ومن أجل ذلك اتخذه النصارى عيدًا كما مرَّ. وقيل: العيد: السرور والفرح، ولذلك يقال: يوم عيد، فالمعنى: يكون لنا سرورًا وفرحًا. وقرأ زيد بن ثابت وابن محيصن والجحدري: {لأُولانا وأُخرانا} أنَّثوا


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.