والآية ترشد إلى أنهم اتخذوها هي وابنها إلهين - والاتخاذ غير التسمية - فيصدق بالعبادة وهي واقعة حتمًا.
{قَالَ} عيسى عليه السلام، وقد ارتعدت مفاصله، وارتعش جسمه من سماع هذا الخطاب؛ أعني قوله:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: قال مجيبًا لله سبحانه وتعالى هذا الخطاب {سُبْحَانَكَ} من أن يكون لك شريك؛ أي: تنزيهًا لك عن النقائص وبراءة لك من العيوب؛ إذ لا شبهة في ألوهيتك وأنت منزه عن الشرك فضلًا أن يتخذ إلهان دونك، والمعنى: أنزهك يا إلهي تنزيهًا لائقًا بك عن أن يكون معك إله آخر، فضلًا عن أن أقول ذلك، وبهذا أثبت له التنزيه عن المشاركة في الذات والصفات.
ثم انتقل من هذا إلى تبرئة نفسه العالمة بالحق عن قول ما ليس بحق، فقال:{مَا يَكُونُ لِي}؛ أي: ما ينبغي لي {أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}؛ أي: أن أقول قولًا لا يحق لي أن أقوله؛ أي: كيف أقول هذا الكلام ولست بأهل له، ولست أستحق العبادة حتى أدعو الناس إليها؛ أي: ليس من شأني ولا مما يصح أن يقع مني أن أقول قولًا لا حق لي أن أقوله؛ لأنك أيدتني بالعصمة عن مثل هذا القول الباطل. وهو بتنزيهه الله أولًا أثبت أن ذلك القول الذي نُسب إليه قول لا شائبة فيه من الحق، وليس من شأنه ولا مما يقع من مثله، وقد أكد هذا النفي مرة أخرى بحجة أخرى ارتقى فيها من برهان راجع إلى نفسه - وهو عصمته عليه السلام - إلى برهان أعلى راجع إلى ربه علام الغيوب فقال:{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ}؛ أي: إن صح أني قلته لهم فيما مضى {فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وهذا مبالغة في الأدب في إظهار الذل في حضرة ذي الجلال، وتفويض الأمور بالكلية إلى الكبير المتعالي. والمعنى: إني لا أحتاج إلى الاعتذار؛ لأنك تعلم أني لم أقله، ولو قلته .. لعلمته لأنك {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}؛ أي: ذاتي {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ أي: ذاتك، فنفس (١) الشيء: ذاته وهويته، والمعنى: تعلم معلومي ولا أعلم معلومك، وقيل:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}؛ أي: ما كان مني لهم من الأمر والنهي {وَلَا أَعْلَمُ مَا