وتصرفًا؛ أي: من الذي كانت له هذه المخلوقات علويها وسفليها، وقد كانت العرب تؤمن بأن الله خالق السموات والأرض، وأن كل ما فيهما ملك وعبيد له كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله}، والمقصود من السؤال: التبكيت والتوبيخ، فإن أجابوك .. فذاك وإلا فـ {قُل} لهم يا محمد إن ذلك كله {لِلَّهِ} فإنه لا جواب غيره؛ أي: فأخبرهم أن ذلك لله الذي قهر كل شيء، وملك كل شيء، واستعبد كل شيء، لا للأصنام التي تعبدونها أنتم، فإنها أموات لا تملك شيئًا ولا تملك لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، وإنما أمره بالجواب عقب السؤال .. ليكون أبلغ في التأكيد، وآكد في الحجة.
وعبارة "المراغي" هنا قوله: {قُلِ لِلَّهِ} هذا تقرير للجواب نيابة عنهم، أو إلجاء لهم إلى الإقرار بأن الكل له سبحانه وتعالى، ولا خلاف بيني وبينكم في ذلك، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئًا آخر إليه. وإتيان السائل بالجواب يحسن إذا كان ما يأتي به هو عين ما يعتقده المسؤول أو يغفل عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه لازمًا لما يعرفه ويعتقده انتهت.
ولما بين الله تعالى كمال قدرته وتصرفه في سائر مخلوقاته .. أردفه بكمال رحمته وإحسانه إليهم، فقال تعالى:{كَتَبَ} الله سبحانه وتعالى وأوجب {عَلَى نَفْسِهِ}؛ أي: على ذاته العلية إيجاب الفضل والكرم، وإيجاب إنجاز الوعد {الرَّحْمَةَ} والإحسان إلى خلقه؛ إذ أفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن لا يعجل بالعقوبة لمن استحقها، بل يقبل التوبة والإنابة ممن تاب وأناب إليه، فالمراد بإيجابها على نفسه أنه وعد ذلك وعدًا مؤكدًا منجزًا لا محالة؛ إذ لا يجب على الله شيء لعباده، والمراد بالرحمة: ما يعم الدارين، ومن ذلك: الهداية إلى معرفته، والعلم بتوحيده، والإمهال على الكفار.
فصل في ذكر الأحاديث المناسبة للآية
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لما خلق الله الخلق .. كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي". متفق عليه.