للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأولين هم الذين ينظرون في الآيات، ويفقهون ما يسمعون من الحجج والبينات، وأن الآخرين لا يفقهون ولا يسمعون، فهم والأموات سواء.

قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين فيما سلف أنه قادر على أن ينزل الآيات إذا رأى من الحكمة والمصلحة إنزالها، ولا ينزلها للتشهي والهوى كما يراه المقترحون من أولئك الظالمين المكذبين .. ذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك، فأرشد إلى عموم قدرته تعالى وشمول علمه وتدبيره، وأن كل ما يدب على وجه الأرض أو يطير في الهواء فهو مشمول بفضله ورحمته، فلو كان في إظهار هذه المعجزات مصلحة للمكلفين .. لفعلها، ولامتنع أن يبخل بها، إذ أنكم ترون أنه لم يبخل على شيء من الحيوان بمنافعها ومصالحها.

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بيَّن فيما سلف للمشركين أن علمه محيط بحسب في الأرض والسماء، وأن عنايته تعم كل ما درج على الأرض أو طار في الهواء، وأن أمم الحيوان مشابهة لأمم الإنسان، وقد أوتيت من الإلهام والمعرفة ما تميِّز به بين ما ينفعها ويضرها .. أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يوجه إليهم هذا السؤال، مذكرًا لهم بما أودع في فطرتهم من توحيده عزَّ اسمه، ليعلموا أن ما تقلدوه من الشرك عارض شاغل يفسد أذهانهم وقت الرخاء وارتفاع اللأواء، حتى إذا جد الجد ونزل بهم ما لا يطاق حمله من الشدائد .. {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، وضل عنهم ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان، وما وضعوا رمزًا له من ملك أو إنسان.

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ...} الآية، مناسبة (٢) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما هددهم في الآيات السالفة بإتيان


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط بتصرف.