للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد (١): البر: المفاوز والقفار، والبحر: المدن والقرى فيه والأمصار، لا يحدث فيها شيء إلا وهو يعلمه. وقال جمهور المفسرين: هما البر والبحر المعروفان؛ لأن جميع الأرض إما بر، وإما بحر، وفي كل واحد منهما من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته ما يدل على عظيم قدرته وسعة علمه. والمعنى: أي: وعنده سبحانه وتعالى علم ما لم يغب عنكم؛ لأن ما فيهما ظاهر للعين، يعلمه العباد، وعلمه تعالى بما فيهما علم مشاهدة مقابل لعلم الغيب.

والخلاصة: أن عنده تعالى علم ما غاب عنكم مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثر بعلمه، وعنده علم ما يعلمه جميعكم لا يخفى عليه شيء منه، فعنده علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة. {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ}؛ أي: وما تسقط ورقة واحدة من أوراق الشجر أو النجم، ولا تبقى عليه في الصحارى والبراري، أو في الأمصار والقرى {إِلَّا يَعْلَمُهَا}؛ أي: إلا والحال أنه سبحانه وتعالى عليم بالساقطة منها والباقية، ويعلم زمان سقوطها، ومكانه، وعدد الساقطة والباقية وأحوالها قبل السقوط وبعده.

{وَلَا} من {حَبَّةٍ} ملقاة {فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} وبطونها لتنبت، قيل: هي الحبة المعروفة تلقى في بطن الأرض قبل أن تنبت، وقيل: هي الحبة التي في الصخرة التي تحت الأرضين السبع. {وَلَا} من {رَطْبٍ}، وهو كل ما ينبت، وقيل: الحي {وَلَا} من {يَابِسٍ} وهو كل ما لا ينبت، وقيل: الميت، وقيل: هما عبارة عن كل شيء؛ لأن جميع الأشياء إما رطبة أو يابسة {إِلَّا} هو {فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}؛ أي: إلا كان كل ما ذكر ثابتًا مكتوبًا في كتاب مبين؛ أي: موضح مبين مقدارها ووقتها ومكانها، وهو اللوح المحفوظ.

فإن قلت (٢): إن جميع هذه المذكورات داخلة تحت قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} فلِمَ أفردها بالذكر؟

قلتُ: ذكرها من قبيل التفصيل بعد الإجمال، وقد ذكر البر والبحر لما فيهما


(١) الخازن.
(٢) الفتوحات.