للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتحقيق: أنّه اختلاس لفتحة الخاء لا إسكان؛ لأنّه يؤدّي إلى التقاء الساكنين على غير حدّة، فهذا الحرف قرىء عشر قراءات، واحدة سبعيّة، وهي {يَخْطَفُ} بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الطاء، وباقيها شواذّ. {كُلَّما أَضاءَ} ولمع البرق {لَهُمْ} أي: لأصحاب الصيّب. ولفظ (١) {كُلَّما} ظرف زمان، ضمّن معنى الشرط، والعامل فيه جوابه، وهو {مَشَوْا}. و {أَضاءَ} متعد؛ أي: كلّما أنار البرق الطريق في الليلة المظلمة، وهو استئناف ثالث، كأنّه قيل: كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ أيفعلون بأبصارهم ما يفعلون بآذانهم أم لا؟ فقيل: كلّما نوّر البرق لهم ممشى ومسلكا {مَشَوْا فِيهِ}؛ أي: في ذلك المسلك؛ أي: في مطرح نوره خطوات يسيرة مع خوف أن يخطف أبصارهم، وإيثار المشي على ما فوقه من السعي والعدو؛ للإشعار بعدم استطاعتهم لهما لكمال دهشتهم.

وهذا تمثيل لشدّة الأمر على المنافقين بشدّته على أهل الصيّب. وفي مصحف ابن مسعود: {مضوا فيه}.

{وَإِذا أَظْلَمَ} البرق {عَلَيْهِمْ}؛ أي: خفي، واستتر، فصار الطريق مظلما {قامُوا}؛ أي: وقفوا في أماكنهم، وثبتوا على ما كانوا عليه من الهيئة، متحيّرين، مترصّدين لحظة أخرى عسى يتسنّى لهم الوصول إلى المقصد، أو الالتجاء إلى ملجأ يعصمهم. وقرأ زيد بن قطيب، والضحاك {وَإِذا أَظْلَمَ} مبنيا للمفعول، ذكره في «البحر».

وهذا تصوير (٢) لما هم فيه من غاية التحير والجهل، فإذا صادفوا من البرق لمعة، مع خوفهم أن يخطف أبصارهم انتهزوها فرصة، فيخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي، واستتر، وفتر لمعانه، وفقد: وقفوا عن السّير، وثبتوا في مكانهم؛ خشية التردّي في حفرة، فكذلك المنافقون لمّا آمنوا بألسنتهم مشوا فيما بين المؤمنين؛ لأنّه يقبل إيمانهم اللسانيّ، فلما ماتوا بقوا في ظلمة القبر والعذاب.


(١) روح البيان.
(٢) العمدة.