من الأوّل. شبّه الله حال المنافقين في حيرتهم، وما خبطوا فيه من الضلالة، وشدّة الأمر عليهم، وخزيهم، وافتضاحهم بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد، وبرق، وخوف من الصواعق والموت.
هذا إذا كان التمثيل مركبا، وهو الذي يقتضيه جزالة التنزيل، فإنّك تتصوّر في المركّب، الهيئة الحاصلة من تفاوت تلك الصور، وكيفياتها المتضامّة، فيحصل في النفس منه ما لا يحصل من المفردات، كما إذا تصوّرت من مجموع الآية، مكابدة من أدركه الوابل الهطل، مع تكاثف ظلمة الليل وهيئة انتساج السحاب بتتابع القطر، وصوت الرعد الهائل، والبرق الخاطف، والصاعقة المحرقة، ولهم من خوف هذه الشدائد حركات من تحذّر الموت. حصل لك منه أمر عجيب، وخطب هائل، بخلاف ما (١) إذا تكلّفت لواحد واحد مشبّها به.
يعني: إن حمل التمثيل على التشبيه المفرّق، فشبه القرآن، وما فيه من العلوم والمعارف التي هي مدار الحياة الأبدية بالصيّب الذي هو سبب الحياة الأرضية، وما عرض لهم بنزوله من الغموم، والأحزان، وانكساف البال بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد، بالرعد والبرق، وتصاممهم عمّا يقرع أسماعهم من الوعيد، بحال من يهوّله الرعد والبرق، فيخاف صواعقه، فيسد أذنه، ولا خلاص له منها، واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه، أو رفد يحرزونه، بمشيهم في مطرح ضوء البرق، كلما أضاء لهم،
وتحيرهم في أمرهم، حين عنّ لهم مصيبة بوقوفهم إذا أظلم عليهم. فهذه حال المنافقين، قصارى عمرهم الحيرة والدهشة. فعلى العاقل أن يتمسّك بحبل الشرع القويم، والصراط المستقيم، كي يتخلّص من الغوائل والقيود، ومهالك الوجود، وغاية الأمر خفيّة لا يدري بم يختم.