للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعلقت إرادته بإيجاده، وهو وقت إيجاد العالم وتكوينه، فلا مرد لأمره، ولا تخلف لقضائه وحكمه، ومن كان أمره التكويني مطاعًا .. يكون أمره التكليفي كذلك واجب الطاعة بلا حرج في النفس ولا ضيق منه، فالخلق حق، والأمر حق: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}.

والمراد من هذا الأمر (١): التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات، وهذا بيان أن خلقه تعالى للسموات والأرض ليس مما يتوقف على مادة ولا مدة، بل يتم بمحض الأمر التكويني من غير توقف على شيء آخر أصلًا. والمراد بالقول كلمة: {كُنْ} تمثيل؛ لأن سرعة قدرته تعالى أقل زمنًا من زمن النطق بـ {كُنْ}.

{وَلَهُ} سبحانه وتعالى خاصة {الْمُلْكُ} والسلطنة {يَوْمَ يُنْفَخُ} وينادى {فِي الصُّورِ} لبعث الخلائق، وهو يوم القيامة؛ أي: وله سبحانه وتعالى الملك يوم الحشر يوم يبعث من في القبور، وينفخ في الصور، والأمر حينئذ لله وحده، ولا تملك نفس لنفس شيئًا من خير أو شر، أو نفع أو ضر، فكيف يرضى لنفسه من يعرف هذه الحقائق أن يدعو سواه، ويتخذ له إلهًا غير الله، ويرد على عقبيه ويرجع إلى أسوأ حاليه؟! وإنما أخبر (٢) سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له تعالى خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة؛ لأنه لا منازع له يومئذ يدِّعي الملك، وأنه المنفرد بالملك يومئذ، وأن من كان يدعي الملك بالباطل من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم، واعترفوا بأن الملك لله الواحد القهار، وأنه لا منازع له فيه، وعلموا أن الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا باطل وغرور.

واختلفت (٣) العلماء في {الصُّورِ} المذكور في الآية، فقال قوم: هو قرن ينفخ فيه، وهو لغة أهل اليمن. قال مجاهد: الصور قرن كهيئة البوق، ويدل على


(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) الخازن.