إلى طريق الرشاد، وقال:{مِنْ قَبْلُ} تنبيهًا على قدمه، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس. والمراد بذلك أن نسب إبراهيم من أشرف الأنساب؛ إذ قد رزقه الله أولادًا مثل إسحاق ويعقوب، وجعل أنبياء بني إسرائيل من نسلهما، وأخرجه من أصلاب آباء طاهرين، كنوح وإدريس وشيث، فهو كريم الآباء شريف الأبناء، والمقصود من تلاوة هذه النعم على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - تشريفه؛ لأن شرف الوالد يسري إلى الولد. وفي ذكر نوح (١) لطيفة، وهي أن نوحًا عليه السلام عُبدت الأصنام في زمانه، وقومه أول قوم عبدوا الأصنام، ووحد هو الله تعالى ودعا إلى عبادته، ورفض تلك الأصنام، وحكى الله عنه مناجاته لربه في قومه حيث قالوا:{لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، وكان إبراهيم عُبدت الأصنام في زمانه، ووحد هو الله تعالى ودعا إلى رفضها، فذكر الله تعالى نوحًا وأنه هداه كما هدى إبراهيم.
والضمير في قوله:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} اختلفوا في مرجعه، قيل: يرجع إلى نوح؛ لأنه أقرب مذكور، وهو اختيار جمهور المفسرين؛ لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، ولأن الله ذكر في جملة هذه الذرية لوطًا وهو ابن أخي إبراهيم، ولم يكن من ذريته، فثبت بهذا أن الضمير يرجع إلى نوح، وقيل: يعود إلى إبراهيم؛ لأن الكلام في شأنه بذكر ما أنعم الله عليه من الفضائل، وإنما ذكر نوحًا؛ لأنه جده، فهو كما قدمنا يرشد إلى فضل الله عليه في أصوله وفروعه. قال ابن عباس: هؤلاء الأنبياء كلهم مضافون إلى ذرية إبراهيم، وإن كان فيهم من لا يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب؛ لأن لوطًا ابن أخِ إبراهيم، والعرب تجعل العم أبًا، فكأنه من ذريته. وقال أبو سليمان الدمشقي: ووهبنا له لوطًا في المعاضدة والنصرة انتهى. وقال الزجاج: كلا القولين جائز؛ لأن ذكرهما جميعًا قد جرى؛ أي: وهدينا من ذرية إبراهيم {دَاوُودَ} بن إيشا، وكان ممن أتاه الله الملك والنبوة. {و} هدينا {سُلَيْمَانَ} بن داود، وكان أيضًا ممن أوتي الملك والنبوة وقرنهما؛ لأنهما أبٌ وابن، ولأنهما ملكان نبيان، وقدم داود لتقدمه في