للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شعوب وقبائل مدعاةً إلى التآلف، لا إلى التعادي والتقاتل وبث روح العداوة والبغضاء بين الناس {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}؛ أي: ولكم موضع استقرار في الأصلاب، وموضع استيداع في الأرحام، وإنما جعل الصلب مقر النطفة، والرحم مستودعها؛ لأن النطفة تتوالد في الصلب ابتداء، والرحم شبيهة بالمستودع، كما قال الشاعر:

وَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَللآبَاءِ أَبْنَاءُ

فالمستقر على هذا التفسير: صلب الأب، والمستودع: رحم الأم, لأن (١) النطفة حصلت في صلب الأب قبل حصولها في رحم الأم، فحصول النطفة في الرحم من فعل الرجل مشبه بالوديعة، وحصولها في الصلب لا من جهة الغير. وقال أبو مسلم الأصبهاني: إن تقدير الآية: هو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمنكم ذكر ومنكم أنثى، وإنما عبر عن الذكر بالمستقر؛ لأن النطفة إنما تنشأ في صلبه وتستقر فيه، وإنما عبر عن الأنثى بالمستودع؛ لأن رحمها شبيه بالمستودع لتلك النطفة.

وقرأ (٢) ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي: بكسر القاف على صيغة اسم الفاعل، والباقون: بفتحها. وأما {مستودع} فهو بفتح الدال لا غير، وهما مرفوعان على أنهما مبتدان، وخبرهما محذوف، والتقدير على القراءة الأولى - أعني قراءة الكسر -: فمنكم مستقر على ظهر الأرض، وعلى القراءة الثانية - أعني قراءة الفتح -: فلكم مستقر على ظهرها؛ أي: موضع قرار، ومنكم مستودع في الرحم، أو في باطن الأرض، أو في الصلب. وقيل: المستقر في الرحم، والمستودع في الأرض. وقيل: المستقر في القبر. وأكثر أهل التفسير يقولون: المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما كان في الصلب. وقيل: المستقر من خلق، والمستودع من لم يخلق. وقيل: الاستيداع إشارة إلى كونهم في القبور إلى المبعث، ومما يدل على تفسير المستقر


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.