ومنها: قصر الموصوف على الصفة في قوله: {قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ}؛ أي: مقصورون على الإصلاح، نظير قولهم: إنّما زيد منطلق. وقال ابن التمجيد: هذا القصر إفراد؛ لأنّه لما قال المسلمون لهم: لا تفسدوا توهّموا أنّ المسلمين أرادوا بذلك، أنّهم يخلطون الإفساد بالإصلاح، فأجابوهم بأنّهم مقصورون على الإصلاح، لا يتجاوزون عنه إلى صفة الإفساد، فيلزم منه عدم الخلط، فهو من باب قصر الإفراد، حيث توهّموا أنّ المؤمنين اعتقدوا الشركة، فأجابهم الله سبحانه بعد ذلك، بما يدل على القصر القلبي بقوله:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}، فإنّهم لما أثبتوا لأنفسهم إحدى الصفتين، ونفوا الأخرى، واعتقدوا ذلك، قلب الله اعتقادهم هذا، بأن أثبت لهم ما نفوه، ونفى عنهم ما أثبتوا. والمعنى: هم مقصورون على إفساد أنفسهم بالكفر، والناس بالتعويق عن الإيمان، لا يتخطّون منه إلى صفة الإصلاح. اه. «روح».
ومنها: جمع المؤكدات في هذه الجملة؛ لتأكيد الردّ عليهم، حيث أكد بألا، وبأنّ، وبضمير الفصل، وتعريف الخبر مبالغة في الردّ عليهم، لما ادّعوه من قولهم:{إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ}؛ لأنّهم أخرجوا الجواب جملة اسمية مؤكّدة بإنما، ليدلّوا بذلك على ثبوت الوصف لهم، فردّ الله عليهم بأبلغ وأوكد مما ادعوه. اه. «سمين». وكذا جملة قوله:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ}.
ومنها: المفارقة بين الجمل في قوله: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا} وقوله: {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ}. فقد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية، وهي جملة {آمَنَّا}، وخاطبوا شياطينهم بالجملة الإسمية، وهي جملة {إِنَّا مَعَكُمْ}؛ وذلك لأنّ الجملة الإسميّة أثبت من الجملة الفعلية، فإيمانهم قصير المدى لا يعدو تحريك اللسان، أو مدة التقائهم بالمؤمنين وركونهم إلى شياطينهم، دائم الاستمرار والتجدّد، وهو أعلق بنفوسهم وأكثر ارتباطا بما رسخ فيها.
ومنها: المخالفة بين جملة مستهزؤن، وجملة يستهزىء؛ لأنّ هزء الله بهم متجدد وقتا بعد وقت، وحالا بعد حال، يوقعهم في متاهات الحيرة والإرتباك، زيادة في التنكيل بهم.