للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{قَدْ ضَلُّوا}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد ضلوا وأخطؤوا بهذه الافعال عن الصراط المستقيم {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} إلى الحق بعد ضلالهم، فعلم أن فائدته بعد قوله: {قَدْ ضَلُّوا} أنهم بعد ما ضلوا لم يهتدوا مرة أخرى، كما ذكره الكرخي، فإن تحريم الحلال من أعظم أنواع الحماقة؛ لأنه يمنع نفسه تلك المنافع، ويستحق بسبب ذلك المنع أعظم أنواع العقاب، أو أن الجرأة بالافتراء أعظم الذنوب، وهم قد ضلوا عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا، ولم يحصل لهم الاهتداء قط.

والحاصل (١): أن الله سبحانه وتعالى أنكر على مشركي العرب أمرين عظيمين ونعاهما عليهم، وحكم فيهم حكما عدلا وهما:

١ - قتل أولادهم ووأد بناتهم، وبذلك خسروا خسرانا مبينا، فإن قتل الأولاد يستلزم خسران كل ما كان يرجى من العزة والنصرة والسرور والغبطة، والبر والصلة، وخسران العاطفة الأبوية ورأفتها، واستبدال القسوة والغلظة بها إلى نحو أولئك من مساوي الأخلاق التي يضيق بها العيش في الدنيا، وبها يحل العقاب في الآخرة.

٢ - تحريم ما رزقهم الله من الطيبات، وإيضاح هذا: أن الله سبحانه وتعالى قد حكم على من فعل هذين الجرمين بالخسران والسفاهة، وعدم العلم والافتراء على الله والضلال وعدم الاهتداء.

أما الخسران: فلأن الولد نعمة من الله على العبد، فإذا سعى العبد في زوالها .. فقد خسر خسرانا عظيما؛ إذ هو قد استحق الذم في الدنيا، وقال الناس فيه: إنه قتل ولده خوف أن يأكل طعامه، والعقاب في الآخرة؛ لأنه ألحق أعظم أنواع الأذى بأقرب الناس إليه محبة.

وأما السفاهة: وهي اضطراب النفس وحماقتها، فلأنه أقدم على ضرر محقق، وهو القتل خوفا من ضرر موهوم، وهو الفقر كما مر.


(١) المراغي.