للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ببلاغته وبيانه قلوب الناظرين فيه إلى الحق الذي فصله أتم تفصيل، وإلى عمل الخير والصلاح الذي بين فوائده ومنافعه؛ وهو رحمة عامة لمن يستضيؤون بنوره وتنفذ فيهم شريعته؛ إذ هم يكونون في ظلها آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، أحرارا في عقائدهم وعباداتهم، يعيشون في بيئة خالية من الفواحش والمنكرات، وبعد أن بين عظم قدر هذا الكتاب .. بين سوء عاقبة من كذب به، فقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ} والفاء فيه فاء الفصحية؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا كانت هذه الآيات مشتملة على الهداية الكاملة والرحمة الشاملة .. فأقول لك: لا أظلم، والاستفهام فيه إنكاري؛ أي: فلا أحد أشد ظلما {مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ} القرآنية ولم يؤمن بها {وَصَدَفَ}؛ أي: أعرض بنفسه {عَنْها}؛ أي: عن تلك الآيات؛ أي: عن العمل بما فيها من الأوامر والنواهي.

وقيل المعنى: كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها؛ أي: صرف الناس ومنعهم عن الإيمان بها، فجمع بين الضلال بالتكذيب، والإضلال بصرف الناس عنها كما كان يفعل كبراء مجرمي قريش بمكة، فقد كانوا يصدفون العرب ويمنعونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحولون بينه وبينهم لئلا يسمعوا منه القرآن، فينجذبوا إلى الإيمان، ونحو الآية قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}. وقرأ ابن وثاب وابن أبي عبلة: {ممن كَذَبَ} بتخفيف الذال. {سَنَجْزِي الَّذِينَ}؛ أي: سنعاقب الذين {يَصْدِفُونَ} ويعرضون {عَنْ آياتِنا} الواضحة وحججنا الساطعة {سُوءَ الْعَذابِ}؛ أي: شديد العذاب {بِما كانُوا يَصْدِفُونَ}؛ أي: بسبب إعراضهم عن آياتنا وتكذيبهم لرسلنا، والإضافة في سوء العذاب من إضافة الصفة إلى الموضوف؛ أي: العذاب السيء أو المعنى (١): سنجزي الذين يصدفون الناس عن آياتنا ويردونهم عن الاهتداء بها سوء العذاب بسبب ما كانوا يتجرؤون عليه من الصدف عنها؛ إذ هم بذلك يحملون أوزارهم وأوزار من صدفوهم عن الحق، وحالوا بينهم وبين الهداية. وقرأت فرقة: {يَصْدِفُونَ}: بضم الدال.


(١) المراغي.