للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أنه سبحانه (١) وتعالى سريع العقاب لمن كفر به، أو كفر بنبيه وخالف شرعه وتنكب عن سنته، وهذا العقاب السريع شامل لما يكون في الدنيا من الضرر في النفس أو العقل أو العرض أو المال، أو غير ذلك من الشؤون الاجتماعية، وهذا مطرد في الدنيا في ذنوب الأمم، وأكثريّ في ذنوب الأفراد، ومطرد في الآخرة بتدسية النفس وتدنيسها.

وهو (٢) سبحانه وتعالى على سرعة عقابه وشديد عذابه للمشركين غفور للتوابين، رحيم بالمؤمنين المحسنين؛ إذ سبقت رحمته غضبه، ووسعت كل شيء، ومن ثم جعل جزاء الحسنة عشر أمثالها، وقد يضاعفها بعد ذلك أضعافا كثيرة لمن يشاء، كما جعل جزاء السيئة سيئة مثلها وقد يغفرها لمن تاب منها، كما قال: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)}.

ولما (٣) كان الابتلاء يظهر به المسيء والمحسن، والطائع والعاصي .. ذكر هذين الوصفين وختم بهما. ولما كان الغالب على فواصل الآي قبلها هو التهديد .. بدأ قوله: {سَرِيعُ الْعِقابِ} يعني لمن كفر ما أعطاه الله تعالى، وسرعة عقابه إن كان في الدنيا فالسرعة ظاهرة، وإن كان في الآخرة فوصفه بالسرعة لتحققه؛ إذ كل ما هو آت قريب، ولما كانت جهة الرحمة أرجى .. أكد ذلك بدخول اللام في الخبر، ويكون الوصفان بنيا بناء مبالغة، ولم يأت في جهة العقاب بوصفه بذلك، فلم يقل: إن ربك معاقب وسريع العقاب من باب الصفة المشبهة.

فائدة: في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من العقائد والأحكام (٤):

أولا: العقائد وأدلتها بالأسلوب الجامع بين الإقناع والتأثير كبيان صفات الله بذكر أفعاله وسننه في الخلق، وآياته في الأنفس والآفاق، وتأثير العقائد في الأعمال مع إيراد الحقائق بطريق المناظرة والجدل، أو ورودها جوابا بعد سؤال،


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.