بتقوية الأرواح بالإيمان بالله وصفاته، وإخلاص العبادة له، والتخلق بالأخلاق الكريمة، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فتبتعد تلك الأرواح الشيطانية عنها، ولا تستطيع القرب منها.
والحاصل:
أن الشياطين يرون بني آدم لكثافة أجسامهم وتلونهم، وبنو آدم لا يرونهم للطافتهم وعدم تلونهم، فأجسام الشياطين كالهواء، وأما رؤية الشياطين بعضهم بعضا، فحاصلة لقوة في أبصارهم. قال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربع: نرى، ولا نرى، ونخرج من تحت الثرى، ويعود شيخنا شابا. وقال مالك بن دينار: إن عدوا يراك ولا تراه لشديد المجاهدة إلا من عصمه الله.
وهذا حيث كانوا بصورتهم الأصلية، وأما إذا تصوروا بغيرهم فنراهم؛ لأن الله تعالى جعل لهم قدرة على التشكل بالصور الجميلة أو الخسيسة، وتحكم عليهم الصورة كما في الأحاديث الصحيحة، فالآية ليست على عمومها، فالفرق بينهم وبين الملائكة أن الملائكة لا يتشكلون إلا في الصورة الجميلة، ولا تحكم عليهم، بخلاف الجن. وقد ورد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وجعلت صدور بني آدم مساكن لهم إلا من عصمه الله تعالى. وقرأ اليزيدي:{وقبيله} - بالنصب - عطفا على اسم {إن}.
ثم زاد في التحذير من الشيطان، وبيّن شديد عداوته للإنسان، فقال:{إِنَّا جَعَلْنَا} وصيرنا {الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ} وأعوانا وأصحابا {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}: أي: لغير المؤمنين؛ أي: مكناهم من إغوائهم، فتحرزوا أنتم أيها المؤمنون منهم؛ أي: إنا صيرنا الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن مسلطين عليهم؛ أي: أن (١) سنتنا جرت بأن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن أولياء لشرار الإنس؛ وهم الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته إيمان إذعان تزكو به نفوسهم لما بينهما من التناسب والتشاكل.
واكتساب الكفار لولاية الشياطين جاءت بسبب استعدادهم لقبول وسوستهم