للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء. قال: «فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ قال: فيقولون: فلان بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له، فلا يفتح له»، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ}. وقيل في معنى الآية: لا تنزل عليهم البركة والخير؛ لأن ذلك لا ينزل إلا من السماء، فإذا لم تفتح لهم أبواب السماء، فلا ينزل عليهم من البركة والخير والرحمة شيء.

{وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ}؛ أي: ولا يدخل هؤلاء المكذبون المستكبرون الجنة {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ}؛ أي: حتى يدخل ذكر الإبل فِي {سَمِّ الْخِياطِ}؛ أي: في ثقب الإبرة، والجمل معروف؛ وهو الذكر من الإبل، وسم الخياط: ثقب الإبرة. قال الفراء: الخياط والمخيط ما يخاط به، والمراد به في هذه الآية: الإبرة، وإنما خص (١) الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات؛ لأنه أكبر من سائر الحيوانات جسما عند العرب. قال الشاعر:

جسم الجمال وأحلام العصافير

وصف من هجاه بهذا بعظم الجسم مع صغر العقل، فجسم الجمل من أعظم الأجسام، وثقب الإبرة من أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق محالا، فكذلك دخول الكفار الجنة محال؛ لأن المعلق بالمحال محال؛ لأن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون ذلك الجائز، وهذا كقوله: لا آتيك حتى يشيب الغراب، ويبيضّ القار. ومنه قول الشاعر:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللّبن الحليب

وقال آخر:

من رام العلم بلا كدّ ... سيدركها حين شاب الغراب


(١) الخازن.