للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَ} إذا دخلوا الجنة، واستقروا في منازلهم {قالُوا} شاكرين لله بألسنتهم معبرين عن غبطتهم وبهجتهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} أي: وفقنا وأرشدنا في الدنيا للعمل الذي هذا ثوابه، وتفضل علينا به رحمة منه وإحسانا إلينا {وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ} ونرشد لذلك العمل الذي هذا ثوابه {لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ} سبحانه وتعالى إليه؛ أي: لولا أنه سبحانه وتعالى أرشدنا إليه ووفقنا بفضله ومنه وكرمه؛ أي: وما كان من شأننا ولا مقتضى فكرنا أن نهتدي إليه بأنفسنا لولا أن هدانا الله إليه بتوفيقه إيانا لاتباع رسله ومعونته لنا عليه، ورحمته الخاصة بنا إلى هدايته التي فطرنا عليها، وهداية ما خلق لنا من المشاعر والعقل. وفي الآية دليل على أن المهتدي من هداه الله، ومن لم يهده الله .. فليس بمهتد.

وقرأ ابن عامر (١): {ما كنا} بغير واو وكذا هي في مصاحف أهل الشام، وذلك لأنه جار مجرى التفسير لقوله: {هَدانا لِهذا} فلما كان أحدهما عين الآخر وجب حذف الحرف العاطف.

وقالوا أيضا حين رأوا ما وعدهم به الرسل عيانا تبجحا بما نالوه: والله {لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا} في الدنيا {بِالْحَقِّ}؛ أي: ما أخبرونا به في الدنيا من الثواب صدق، فقد حصل لنا عيانا، وهذا مصداق ما وعدنا به في الدنيا على التوحيد وصالح العمل {وَنُودُوا}؛ أي: نادتهم الملائكة عند رؤيتهم الجنة من مكان بعيد {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}؛ أي: تلك الدار التي ترى لكم من بعد هي الجنة التي وعدتكم الرسل بها في الدنيا، فـ {أَنْ} مفسرة لما في النداء، وكذا في سائر المواضع الخمسة الآتية. وجملة قوله: {أُورِثْتُمُوها}؛ أي: أعطيتموها حال من الجنة، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة؛ أي: حالة كونها موروثة معطاة لكم {بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، أي: بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا، فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمة الله تعالى، فإذا دخلوها بأعمالهم .. فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته؛ إذ أعمالهم رحمة منه لهم، وتفضل منه عليهم.


(١) البحر المحيط والمراح.