للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجنات ماكثين فيها أحياء أبدا، لا يموتون، ولا يخرجون منها؛ لأنّ من تمام النعمة عليهم الخلود فيها.

قال عكرمة: (١) أهل الجنة ولد ثلاث وثلاثين سنة، رجالهم ونساؤهم، وقامتهم ستون ذراعا على قامة أبيهم آدم، شباب جرد مرد، مكحلون، عليهم سبعون حلّة، تتلوّن كلّ حلة في كلّ ساعة سبعين لونا، لا يبزقون، ولا يتمخّطون، وما كان فوق ذلك من الأذى، فهو أبعد، يزدادون كلّ يوم جمالا وحسنا، كما يزداد أهل الدنيا هرما وضعفا، لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم.

واعلم: أنّ معظم اللذات الحسيّة، لما كان مقصورا على المساكن، والمطاعم، والمناكح حسبما يقضي به الإستقراء، وكان ملاك جميع ذلك الدوام والثبات، إذ كلّ نعمة وإن جلّت حيث كانت في شرف الزوال، ومعرض الاضمحلال، فإنّها منغّصة غير صافية من شوائب الألم، بشّر المؤمنين بها وبدوامها تكميلا للبهجة والسرور، ولذلك قيل:

أشدّ الغمّ عندي في سرور ... تيقّن عنه صاحبه انتقالا

واعلم (٢): أنّ صحبة الأزواج في الآخرة من الأمور الغيبية التي نؤمن بها، كما أخبر الله تعالى، ولا نبحث فيما وراء ذلك، فأطوار الآخرة أعلى مما في حياتنا الدنيا، فهي سالمة من المنغّصات في الطعام، والشراب، والمباشرة الزوجيّة، كما أخبره النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث مسلم السابق.

وقد ورد في الحديث الصحيح (٣)، ما يدلّ على كثرة الأزواج من الحور وغيرهنّ، وأريد بالأزواج هنا القرناء من النساء اللاتي تختصّ بالرجل، لا يشركه فيها غيره، فمعنى تطهيرهنّ: (إن كنّ من الحور، كما روي عن عبد الله: خلقهنّ على الطهارة لم يعلق بهنّ دنس ذاتيّ ولا خارجيّ) (وإن كنّ من بني آدم، كما روي عن الحسن: تطهيرهنّ من الأدناس الّتي كانت بها في الدنيا، ذاتيّة كانت


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.