ويبرد؛ لوصوله إلى منطقة باردة، أو لامتزاجه بتيار من الهواء البارد، فإذا برد تكاثف منه بخار الماء، وتكون السحاب، فالسحاب ناشيء من تكاثف بخار الماء من الهواء في الطبقات العالية من الجو، وهو لا يكون ثابتا في مكان، بل يسير في اتجاه أفقي مدفوعا بقوة الريح، ويتراوح بعده عن الأرض بين ميل وعشرة أميال، ويكون معتما مشبعا بالماء إذا كان قريبا من سطح الأرض، وهو الذي ينشأ عنه المطر؛ لتجميع قطيرات الماء التي فيه بعضها مع بعض بتأثير البرودة، فتكون قطيرات كبيرة تسقط من خلاله نحو الأرض؛ لثقلها بحسب سنة الله في جاذبية الثقل.
وقد أثبت العلم ودلت المشاهدة: أن سكان الجبال الشامخة يبلغون في العلو حذاء السحاب الممطر، أو يتجاوزونه إلى ما فوقه، فيكون دونهم {فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ}؛ أي: فأخرجنا بالماء أنواع الثمار على اختلاف طعومها وألوانها وروائحها، فتخرج كل أرض أنواعا مختلفة منها تدل على قدرة الله تعالى وعلمه، ورحمته وفضله كما قال: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)}.
وبعد أن ذكرهم بهذه الآيات .. قفى على ذلك بما يزيل إنكارهم للبعث، فقال:{كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى}؛ أي: ومثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة بإحيائها بالماء نخرج الموتى من الناس وغيرهم إذ القادر على هذا قادر على ذلك {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} هذا الشبه، فيزول استبعادكم للبعث بنحو قولكم:{أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، وقولكم: {أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)}.
فأمثال هذه المقالات الدالة على إنكار خروج الحي من الميت تزول إذا أنتم تذكرتم خروج النبات الحي من الأرض الميتة إذ لا فارق بين حياة النبات، وحياة الحيوان، فكل منهما خاضع لقدرة الإله القادر على كل شيء، والحياة في عرف المخاطبين كانت تعرف بالتغذي، والنمو في النبات، والحس والحركة