للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر في هذه السورة مبدأ الخلق الإنساني، وهو آدم عليه السلام، وقص من أخباره ما قص، واستطرد من ذلك إلى المعاد ومصير أهل السعادة إلى الجنة، وأهل الشقاوة إلى النار، وأمره تعالى بترك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، وكان من بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا غير مستجيبين له ولا مصدقين لما جاء به عن الله سبحانه وتعالى .. قص تعالى عليه أحوال الرسل الذين كانوا قبله، وأحوال من بعثوا إليه على سبيل التسلية له صلى الله عليه وسلم، والتأسي بهم، فبدأ بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر، وأول رسول بعث إلى من في الأرض، وأمته أدوم تكذيبا له وأقل استجابة.

وعبارة المراغي هنا: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (١) مبدأ الإنسان ومعاده، وأن مرده إلى الله في يوم تجازى فيه كل نفس بما كسبت .. أردف ذلك بذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وإعراضهم عن دعوتهم؛ ليبين للرسول أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدء في قومك، بل سبق به أقوام كثيرون، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه من التنبيه إلى أن الله تعالى لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، وتكون العاقبة للمتقين، ومن العظة والاعتبار بما حل بمن قبلهم من النكال والوبال كما قال: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ}.

وفي «الخازن»: واعلم أن (٢) الله تبارك وتعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، وغرائب خلقه وصنعته الدالة على توحيده وربوبيته، وأقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت .. أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما جرى لهم مع أممهم، وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن الإعراض عن قبول الحق من قومه فقط، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، والقرون الماضية، وفيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار والهلاك في الدنيا، وفي الآخرة إلى العذاب العظيم، فمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم من قومه .. كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من


(١) المراغي.
(٢) الخازن.