والمعنى (١): ولقد جاء أهل تلك القرى رسلهم بالبينات الدالة على صدق دعوتهم، وبالآيات التي اقترحوها عليهم لإقامة حجتهم، فجاء كل رسول قومه بما أعذر به إليهم، ولكن لم يكن من شأنهم أن يؤمنوا بعد مجيء البينات بما كذبوا به من قبل مجيئها حين بدأ الدعوة إلى التوحيد، وعبادة الله وحده بما شرعه، وترك الشرك والمعاصي.
ذاك أنّ شأن المكذبين عنادا أو تقليدا .. أن يصروا على التكذيب بعد إقامة الحجة، إذ لا قيمة لها في نظرهم، فهم إمّا جاحدون ومعاندون ضلوا على علم، وإما مقلدون يأبون النظر والفهم.
{كَذلِكَ}؛ أي: كما طبع الله سبحانه وتعالى، وختم على قلوب كفار الأمم الخالية، من أهل القرى المذكورة وأهلكهم {يَطْبَعُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى ويختم {عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ} الذين كتب عليهم أنّهم لا يؤمنون من قومك، فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر، فلا ينجع فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير، ولا ترغيب ولا ترهيب؛ أي: مثل ما ذكر من عناد هؤلاء وإصرارهم على الضلال، وعدم تأثير الدلائل والبينات في عقولهم .. يكون الطبع على قلوب من ران الكفر على قلوبهم، وصار العناد ديدنهم، سنة الله في أخلاق البشر وأحوالهم، إذ هم يأنسون بالكفر وأعماله، وتستحوذ أوهامه على عقولهم، ويملأ حب الشهوات أفئدتهم، فلا يقبلون بحثا، ولا فيما هم عليه نقدا، فما مثلها إلا مثل السكة التي طبعت على طابع خاص أثناء سبك معدنها وإذابته، ثمّ جمدت، فلا تقبل بعد ذلك نقضا ولا شكلا آخر. وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم، وإعلام له بأنّ أهل مكة قد وصلوا إلى حال من الجمود والعناد، وفساد الفطرة وإهمال النظر والعقل، لا تؤثر فيها البينات وإن وضحت، والآيات وإن اقترحت، وقد كانوا يقترحون عليه الآيات، وكان يتمنى أن يؤتيه الله ما اقترحوا منها حرصا على إيمانهم، حتى بين الله له طباعهم وأخلاقهم، ليعرف مبلغ أمرهم في قبول دعوته، وأنّه لا أمل له