للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ودينكم؛ لأنّ الأشياء كلّها لم تخلق في ذلك الوقت. {ما فِي الْأَرْضِ} أي: الذي فيها من الأشياء. {جَمِيعًا} نصب حالا من الموصول الثاني، وقد يستدلّ بهذا على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة، كما في «الكواشي». وقال في «التيسير»: أهل الإباحة من المتصوّفة الجهلة حملوا اللام في {لَكُمْ} في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ} على الإطلاق والإباحة على الإطلاق، وقالوا لا حظر ولا نهي ولا أمر، فإذا تحقّقت المعرفة، وتأكّدت المحبة سقطت الخدمة، وزالت الحرمة. فالحبيب لا يكلّف حبيبه ما يتعبه، ولا يمنعه ما يريده ويطلبه. وهذا منهم كفر صريح، وقد نهى الله تعالى، وأمر، وأباح، وحظّر، ووعد، وأوعد، وبشّر، وهدّد، والنصوص ظاهرة والدلائل متظاهرة، فمن حمل هذه الآية على الإباحة المطلقة فقد انسلخ من الدين بالكلية. انتهى كلام «التيسير».

واستدلّ بعضهم بقوله: {ما فِي الْأَرْضِ} على تحريم أكل الطين، قال: لأنّه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض، ذكره في «البحر».

{ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}؛ أي: قصد إليها؛ أي: إلى خلقها بإرادته ومشيئته قصدا سويّا بلا صارف يلويه ولا عاطف يثنيه من إرادة شيء آخر في تضاعيف خلقها، أو غير ذلك. وسيأتي في مبحث الفائدة البسط في معنى الاستواء.

ولا تناقض بين هذا وبين قوله (١): {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها}؛ لأنّ - الدّحو هو البسط. وعن الحسن: (خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس، كهيئة الفهر - أي: الحجر ملء الكفّ - عليها دخان يلتزق بها، ثمّ أصعد الدخان وخلق منه السموات، وأمسك الفهر في موضعه ثمّ بسط منه الأرض)، كذا في «الكواشي».

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (أوّل ما خلق الله جوهرة طولها وعرضها مسيرة ألف سنة في مسيرة عشرة آلاف سنة، فنظر إليها بالهيبة، فذابت، واضطربت، ثمّ ثار منها دخان، فارتفع واجتمع زبد، فقام فوق الماء، فجعل


(١) روح البيان.