للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خلقا وملكا، لا لفرعون، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء {يُورِثُها}؛ أي: يورث الأرض ويعطيها {مَنْ يَشاءُ} أي لمن يشاء إعطاءه إياها {مِنْ عِبادِهِ} فهي على مقتضى سننه دول وأيام، وهذا إطماع من موسى عليه السلام لبني إسرائيل أنه يهلك فرعون وقومه، ويملك بنو إسرائيل أرضهم وبلادهم بعد إهلاكهم كما قال: {وَالْعاقِبَةُ} المحمودة في الدنيا والآخرة، وعاقبة كل شيء آخره {لِلْمُتَّقِينَ}؛ أي: لمن يتقون الله، ويراعون سننه في أسباب إرث الأرض، باتحاد الكلمة، والاعتصام بالحق، وإقامة العدل، والصبر على الشدائد، والاستعانة بالله لدى المكاره، ونحو ذلك مما هدت إليه التجارب، ودلت عليه الشرائع، وهم موسى وقومه.

وقرأ الحسن، ورويت عن حفص (١): {يورثها}: بضم الياء وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة للتكثير، وقرأت فرقة: {يورثها}: بفتح الراء، مبينا للمفعول. وقرأ ابن مسعود: {الْعاقِبَةُ}: بالنصب عطفا على الأرض، فالاسم معطوف على الاسم، والخبر على الخبر فهو من عطف المفردات، فنتيجة طلب الإعانة توريث الأرض لهم، ونتيجة الصبر العاقبة المحمودة، والنصر على من عاداهم، فلذلك كان الأمر شيئين ينتج عنهما شيئان:

قال الزمخشري (٢): فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة - أعني قوله: {قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ} - من الواو، وأدخلت على التي قبلها - أعني قوله: {وَقالَ الْمَلَأُ}؟

قلت: هذه جملة مستأنفة، والتي قبلها معطوفة على ما سبقها من قوله: {قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ}. انتهى.

والخلاصة: ليس الأمر كما قال فرعون، بل القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله، ولمن وعده الله تعالى توريث الأرض، ونحن الموعودون بذلك، ولكن بشرط أن نقيم شرعه ونسير على سننه في الخلق، وليس الأمر كما يظن فرعون وقومه من بقاء القوي على قوته، والضعيف على ضعفه، اعتمادا على أنّ


(١) البحر المحيط.
(٢) الكشاف.