للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مئة ألف وعشرين ألفا، فكلهم عبدوا العجل إلا هذه الشرذمة القليلة، {لِمِيقاتِنا}؛ أي: للميقات الذي وقته الله تعالى له، ودعاهم للذهاب معه إلى حيث يناجي ربه من جبل الطور.

روي (١): أن موسى اختار من اثني عشر سبطا ستة ستة، فصاروا اثنين وسبعين فقال: ليستخلف منكم رجلان، فتشاجروا فقال: إن لمن قعد منكم مثل أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين، وأمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم، فخرج بهم إلى طور سيناء. فلما دنوا من الجبل غشيه غمام فدخل موسى بهم الغمام، وخروا سجدا فسمعوه تعالى يكلم موسى، يأمره وينهاه، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إلى موسى وقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة؛ أي: لن نصدقك في أن الآمر بما سمعنا من الأمر بقتل أنفسهم هو الله تعالى حتى نراه، فأخذتهم رجفة الجبل فماتوا يوما وليلة {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}؛ أي: الزلزلة الشديدة؛ أي: أهلكتهم وأماتتهم رجفة الجبل وزلزلته وتحركه {قالَ} موسى: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ} إهلاكهم {أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل خروجهم إلى الميقات {وَ} أهلكتني {إِيَّايَ} معهم، قاله تسليما لقضاء الله تعالى؛ أي: إنا كنا مستحقين للإهلاك ولم يكن من موانعه إلا عدم مشيئتك إياه.

والمعنى: أي فلما أخذتهم رجفة الجبل، وصعقوا قال موسى: رب إنني أتمنى أن لو كانت سبقت مشيئتك أن تهلكهم من قبل خروجهم معي إلى هذا المكان، فأهلكتهم وأهلكتني معهم، حتى لا أقع في شديد الحرج مع قومي فيقولوا: قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم، وإن لم تفعل فإني أسألك برحمتك أن لا تفعل الآن، والاستفهام في قوله: {أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا} للاستعطاف، وفيه معنى النفي، ظن موسى أنما أهلكهم الله تعالى بعبادة قومهم العجل، أو بسوء أدبهم بسؤالهم رؤية الله جهرة؛ أي: لا تهلكنا يا إلهي بما فعل واقترف السفهاء والجهال منا من عبادة العجل، أو من سؤال رؤيتك جهرة، وفي هذا إيماء إلى أن عقلاء بني إسرائيل، وأصحاب الرؤية منهم لم يعبدوه، إنما عبده السفهاء وهم


(١) المراح.