للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى أن يسألهم عن حال أهل هذه القرية في زمن داود عليه السلام تقريعا فإنّهم يعتقدون أنّه لا يعلمه أحد غيرهم، فذكر الله لهم قصة أهل تلك المدينة، فبهتوا وظهر كذبهم، والظرف في قوله {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} متعلق بمضاف محذوف تقديره: واسألهم عن حال القرية إذ يتجاوزون حدود الله بصيد السمك في يوم السبت المأمورين بتركه فيه، وذلك أن اليهود أمرهم الله تعالى باتخاذ يوم الجمعة عيدا يعظمونه كما نعظمه، فأبوا واختاروا يوم السبت، فشدد الله عليهم ونهاهم عن الصيد فيه، وفيما اختاروه إشارة إلى انقطاعهم عن الخير إذ السبت في اللغة: القطع، فاختاروا ما فيه قطيعتهم، وقرىء (١): {يَعْدُونَ} من الإعداد للآلة، وكانوا يعدون آلات الصيد يوم السبت، وهم مأمورون بأن لا يشتغلوا فيه بغير العبادة، وقرأ شهر بن حوشب، وأبو نهيك {يَعْدُونَ} - بفتح العين وتشديد الدال - وأصله يعتدون، فأدغمت التاء في الدال، كقراءة من قرأ: {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} وقرأ الجمهور {يَعْدُونَ} بفتح الياء وسكون العين، وضم الدال مخففة، وقرأ (٢) ابن السميقع في: {الأسبات} على الجمع.

والظرف في قوله: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} متعلق بـ {يَعْدُونَ}؛ أي: يتجاوزون حدود الله وينتهكون حرماتها باصطياد السمك، إذ تأتيهم الحيتان والأسماك يوم سبتهم؛ أي: يوم تعظيمهم لأمر السبت بالتجرد والتفرغ للعبادة، وقرأ عمر بن عبد العزيز: {يوم أسباتهم}، قال أبو الفضل الرازي في كتاب «اللوامع»: وقد ذكرت هذه القراءة عن عمر بن عبد العزيز، وهو مصدر من أسبت الرجل إذا دخل في السبت، وقوله: شرعا، حال من فاعل {تَأْتِيهِمْ}؛ أي: إذ تأتيهم الحيتان حالة كونها شرعا؛ أي: ظاهرة على وجه الماء، قريبة من الساحل، ينظرون إليها ابتلاء من الله واختبارا لهم، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل، كما قال: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ}؛ أي: لا يدخلون في السبت ولا يراعون حرمتها، وهو سائر الأيام {لا تَأْتِيهِمْ} كما كانت تأتيهم يوم سبتهم؛ أي: لا تظهر على ظاهر الماء، ولا تقرب إلى


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.