الحيتان يوم السبت؛ أي: أهلكناهم {بِعَذابٍ بَئِيسٍ}؛ أي: بعذاب شديد موجع {بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}؛ أي: بسبب تماديهم في الفسق، حتى صار ديدنهم وهجيرهم؛ أي: أخذناهم بالعذاب بسبب الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة، وهو الظلم، فالباءان متعلقتان بـ {أَخَذْنَا}؛ لأنّ الأولى للتعدية، والثانية للسببية، فلا اعتراض.
والخلاصة (١): أنه لما ذكّر المذكّرون ولم يتذكر المعتدون .. أنجينا الأولين وأخذنا الآخرين، وقد جرت سنة الله بأن لا يؤخذ الظالم في الدنيا بكل ما يقع منه من ظلم، كما يدل على ذلك قوله:{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}، وقوله:{وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}، ولكنه يؤاخذ الأمم والشعوب في الدنيا قبل الآخرة بما يقع منها من ظلم يظهر أثره بالاستمرار عليه كما قال:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، كما عاقب الله بني إسرائيل كافة بتنكيل البابليين، ثم النصارى بهم، وسلبهم ملكهم حين عم فسقهم، ولم يدفع ذلك عنهم وجود بعض الصالحين فيهم.
وبالجملة: فالآية صريحة في هلاك الظالمين الفاسقين، ونجاة الصالحين الذين نهوهم عن عمل السوء وارتكاب المنكر، وسكت عن الفرقة التي أنكرت على الواعظين وعظهم وإنكارهم، وهي ناجية أيضا؛ لأنّها كانت منكرة للمنكر مستقبحة له، بدليل أنّها لم تفعله، وإنّما لم تنه عنه ليأسها من فائدة النهي، واعتقادها أنّ القوم قد استحقوا عقاب الله تعالى بإصرارهم على الفسق، فلا يفيدهم الوعظ، وهذا رأي ابن عباس رضي الله عنهما.
قوله:{بِعَذابٍ بَئِيسٍ}، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي {بَئِيسٍ} على وزن فعيل، كرئيس، فالهمزة بين الباء والياء، وقرأ نافع:{بيس} بكسر الباء من غير همز، وقرأ ابن عامر كذلك، إلا أنّه همز، وروى خارجة عن نافع:{بيس} - بفتح الباء - من غير همز - على وزن فعل -، وروى أبو بكر عن