أي أعلم أسلافهم، والمعنى: واذكر أيها الرسول إذ أعلم ربك هؤلاء القوم مرة إثر أخرى أنّه قضى عليهم في علمه، وفقا لما قامت عليه نظم الاجتماع، ليسلطن عليهم إلى يوم القيامة من يوقع بهم العذاب الشديد على ظلمهم وفسقهم وفسادهم في الأرض، والآية بمعنى قوله في سورة الإسراء {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤)} إلى أن قال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا}؛ أي: وإن عدتم بعد عقاب المرة الآخرة إلى الإفساد .. عدنا إلى التعذيب والإذلال، وقد عادوا فسلط الله عليهم النصارى، فسلبوا ملكهم الذي أقاموه بعد أن نجوا من سبى البابليين، وقهرهم واستذلالهم، إلى أن جاء الإسلام فعاداه منهم الذين هربوا من الذل والنكال، ولجؤوا إلى بلاد العرب، فعاشوا فيها آمنين أعزاء، لكنهم نكثوا العهد الذي أعطوه للنبي صلى الله عليه وسلّم، وبه أمنهم على أنفسهم وأموالهم وحرية دينهم، فنصروا المشركين عليه، فسلطه الله عليهم، فقاتلهم ونصره عليهم، فأجلى بعضهم، وقتل بعضا، وأجلى عمر البقية الباقية منهم إلى سورية، ولما فتحها .. انتقل اليهود من حكم الروم الجائر إلى سلطة الإسلام العادلة، ولكنهم فقدوا الملك والاستقلال في جميع الحالات.
{إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {لَسَرِيعُ الْعِقابِ} لمن عصاه إذا جاء وقته، فيعاقبهم في الدنيا، أما قبل مجيء وقت العذاب فهو شديد الحلم .. والمعنى: أي إن ربك سريع العقاب للأمم التي تفسق عن أمره، وتفسد في الأرض، فلا يتخلف عقابه عنها كما يتخلف عن بعض الأفراد، يؤيد هذا قوله: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (١٦)}؛ أي: وإذا أردنا هلاك قرية من القرى .. أمرنا سادتها وكبرائها بالحق والعدل والرحمة، فعصوا أمر ربهم وأفسدوا وظلموا في الأرض، فحق عليهم القول بمقتضى سنته في خلقه، فحل بهم الهلاك، وحاق بهم النكال جزاء بما كانوا يعملون. {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن تاب من الكفر واليهودية ودخل في دين الإسلام.
والمعنى:{وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن أقلع عن ذنبه وأناب إليه، وأصلح ما كان قد أفسد في الأرض، قبل أن يحل به عذابه، والآية بمعنى قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ