للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الضر والفقر لاحترازي عنه باجتناب الأسباب، وفي «الكرخي»: {وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ}؛ أي: سوء يمكن التقصي عنه بالتوقي عن موجباته، والمدافعة بموانعه، لا سوء ما؛ فإن منه ما لا مدفع له. اه.

قال ابن كثير: أمره الله تعالى أن يفوض الأمر إليه، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب في المستقبل، ولا اطلاع له على شيء من ذلك، إلا ما أطلعه الله عليه كما قال: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦)} روى الضحاك عن ابن عباس: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}؛ أي: من المال. وقال ابن جرير: أي: لو كنت أعلم الغيب .. لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولوقت الغلاء من الرخص. وقال عبد الله بن زيد بن أسلم: {وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ} قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته. اه.

ثم علل نفي امتيازه عن البشر بملك النفع والضر من غير طرق الأسباب، وسنن الله في الخلق، ونفي امتيازه عنهم بعلم الغيب فقال: {إِنْ أَنَا}؛ أي: ما أنا {إِلَّا نَذِيرٌ}؛ أي: مخوف من النار {وَبَشِيرٌ} بالجنة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بالجنة والنار؛ أي: كتب في الأزل أنهم يؤمنون فإنّهم المنتفعون به، فلا ينافي كونه بشيرا ونذيرا للناس كافة، واللام في قوله: {لِقَوْمٍ} تتعلق بكل من (النذير) و (البشير)؛ لأن (١) النذارة والبشارة إنما ينفعان فيهم، أو متعلق بالبشير وحده، والمتعلق بالنذير محذوف؛ أي: إلا نذير للكافرين، وبشير للمؤمنين.

والمعنى (٢): إنّه لا امتياز لي عن جميع البشر إلا بالتبليغ عن الله عز وجل بالإنذار والتبشير، وكل منهما يوجه إلى جميع أمة الدعوة، والآيات في ذلك كثيرة نحو قوله: {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} وقوله: {إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ}. والخلاصة: أنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام عباد مكرمون، لا يشاركون الله في صفاته ولا في أفعاله، ولا سلطان لهم على التأثير في علمه، ولا في


(١) النسفي.
(٢) المراغي.