للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ...} الآية. ليس (١) اعتراضا على الله، ولا حسدا لبني آدم؛ وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك. يقولون: ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أن منهم من يفسد في الأرض؟ وإنما (٢) علمت الملائكة أن بني آدم يفسدون في الأرض، بإعلام الله إياهم ذلك، وقيل: كان في الأرض جنّ فأفسدوا فيها، فبعث الله إليهم ملائكة فقتلوهم، فقاست الملائكة بني آدم عليهم. وروى (٣) الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء؛ وقتل بعضهم بعضا، قال: فبعث الله عليهم إبليس في جند من الملائكة، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فعلى هذا القول المعنى: إني جاعل في الأرض خليفة من الجن يخلفونهم فيها، فيسكنونها ويعمرونها. انتهى. ابن جرير.

وفي «المراح» روى الضحاك عن ابن عباس: أنه تعالى إنما (٤) قال هذا القول، للملائكة الذين كانوا في الأرض محاربين مع إبليس، لأن الله تعالى لما أسكن الجن الأرض فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وقتل بعضهم بعضا، بعث الله إبليس مع جند من الملائكة، فقتلهم إبليس مع عسكره حتى أخرجوهم من الأرض، وألحقوهم بجزائر البحر، وهؤلاء خزّان الجنان، أنزلهم الله تعالى من السماء إلى الأرض؛ لطرد الجن إلى الجزائر والجبال، وسكنوا الأرض، فخفف الله عنهم العبادة، وكان إبليس يعبد الله، تارة في الأرض، وتارة في السماء، وتارة في الجنة، فدخله العجب، فقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه، فقال تعالى له ولجنده هذا الكلام.

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} الآيات، مناسبتها لما قبلها:


(١) ابن كثير.
(٢) شهيل.
(٣) ابن جرير.
(٤) المراح.