للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}؛ أي: تسرون من قولكم، لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم منا، وهو استحضار لقوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} وروى الشعبي، عن ابن عباس، وابن مسعود: أن المراد بقوله تعالى: {ما تُبْدُونَ} قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} وبقوله: {وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} ما أسر إبليس في نفسه من الكبر، ومن أن لا يسجد، وفيه تعريض (١) بمعاتبتهم على ترك الأولى من السؤال، وهو أن يتوقفوا مترصدين لأن يبيّن لهم، وفي هذه الآيات دلالة على شرف الإنسان على غيره من المخلوقات، وعلى فضل العلم على العبادة، فإن الملائكة أكثر عبادة من آدم، ومع ذلك لم يكونوا أهلا لاستحقاق الخلافة، وعلى أن شرط الخلافة العلم، بل هو العمدة فيها، وعلى أنّ آدم أفضل من هؤلاء الملائكة، لأنه أعلم منهم، والأعلم هو الأفضل من غيره لقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} فالعلم أشرف جوهرا، ولكن لا بدّ للعبادة مع العلم، فإن العلم بمنزلة الشجرة، والعبادة بمنزلة الثمرة، فالشرف للشجرة وهو الأصل، لكن الانتفاع بثمرتها.

وفي استخلاف (٢) آدم في الأرض، معنى سام من الحكمة الإلهية، خفي على الملائكة، فإنه لو استخلفهم فيها لما عرفوا أسرار هذا الكون، وما أودع فيه من الخواص، فإنهم ليسوا بحاجة إلى شيء مما في الأرض، إذ هم على حال يخالف حال الإنسان، فما كانت الأرض لتزرع بمختلف الزروع، ولا تستخرج المعادن من باطنها، ولا تعرف خواصّها الكيمائية والطبيعية، ولا تعرف الأجرام الفلكية، ولا المستحدثات الطبية، ولا شيء من العلوم التي تفنى السنون، ولا يدرك الإنسان لها غاية.

وقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ} (٣) ياء المتكلم المتحرك ما قبلها، إذا لقيت همزة القطع المفتوحة جاز فيها وجهان: التحريك والإسكان، وقرىء بالوجهين في السبعة


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.