والحكمة في هذا: أن يكون للأمة جندٌ دائم مستعدٌّ للدفاع عنها إذا فجأها العدو على غرةٍ، وقوام ذلك الفرسان؛ لسرعة حركتهم وقدرتهم على القتال وإيصال الأخبار من الثغور إلى العواصم وسائر الأرجاء، ومن أجل هذا عظم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها, ولا يزال للفرسان نصيب كبير في الحرب في هذا العصر الذي ارتقت فيه الفنون العسكرية في الدول الحربية.
ومعنى قوله:{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}؛ أي: أعدوا لهم المستطاع من القوة الحربية ومن الفرسان المرابطة؛ لترهبوا عدو الله - الكافرين به وبما أنزله على رسوله - وعدوكم الذين يتربصون بكم الدوائر؛ إذ لا شيء يمنع الحرب إلا الاستعداد للحرب، فالكفار إذا علموا استعداد المسلمين وتأهبهم للجهاد واستكمالهم لجميع الأسلحة والآلات .. خافوهم. وهذا الخوف يفيد المسلمين من وجوه:
١ - يجعل أعدائهم لا يعينون عدوًّا آخر عليهم.
٢ - يجعلهم يؤدون الالتزامات المطلوبة منهم.
٣ - ربَّما حملهم ذلك على الدخول في الإِسلام والإيمان بالله ورسوله.
وقوله:{وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}؛ أي: وترهبون به أناسًا غير هؤلاء الأعداء المعروفين لكم، وهم مشركو مكة ومن والاهم ممن يجمعون بين هاتين العدواتين حين نزول الآية عقب غزوة بدر، ممن لا تعلمون الآن عدواتهم، بل يعلمهم الله، وهو علام الغيوب.
والخلاصة: أنّ تكثير آلات الجهاد وأدواتها كما يرهب الأعداء الذين تعلمون أنهم أعداء لكم .. يرهب الأعداء الذين لا تعلمون أنهم أعداء لكم، فالاستعداد للحرب يرهبهم جميعًا، ويمنعهم من الإقدام على القتال. وهذا ما يسمى في العصر الحديث: السلام المسلح.
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ} قليلًا كان أو كثيرًا في إعداد المستطاع من القوة والمرابطة {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} تعالى {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}؛ أي: يعطكم الله عليه الجزاء