{تُرِيدُونَ} أيها المؤمنون بما قبضتم من الفداء {عَرَضَ} الحياة {الدُّنْيَا} الفاني الزائل ونفعها، وسمي عرضًا؛ لأنَّه سريع الزوال كما تزول الأعراض التي هي مقابل الجواهر، أي: تريدون بأسركم عرض الدنيا، وهو المال الذي تأخذونه من الأسرى فداءً لهم {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {يُرِيدُ} ويرضى لكم {الْآخِرَةَ}؛ أي: ثواب الآخرة الباقي بما يشرِّعه لكم من الأحكام الموصلة إليه ما دمتم تعملون بها، التي منها الإثخان بالقتل، ويدخل في ذلك: الاستعداد للقتال بقدر الاستطاعة على إرادة الإثخان في الأرض والسيادة فيها؛ لإعلاء كلمة الحق، وإقامة العدل.
وفي ذلك إنكارٌ لعمل وقع من جمهور المؤمنين على خلاف تلك القاعدة التي تقتضيها الحكمة والرحمة، وما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - إقرار مثل هذا العمل، ومن ثم عاتبهم الله سبحانه وتعالى بما فعلوا بعد بيان سنة النبيين، كما عاتب رسوله أيضًا.
{وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَزِيزٌ}؛ أي: غالب لا يغالب، يغلب أولياءه على أعدائه، وينصرهم عليهم، ويجعل الغلبة لهم، ويمكنهم من أعدائهم قتلًا وأسرًا {حَكِيمٌ} فيما دبَّره لخلقه، يعلم ما يليق بكل حال، كما أمر بالإثخان، ونهى عن أخذ الفداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخير بين أخذ الفداء وبين المنِّ لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين، ولا تتم لهم العزة .. إلا بتقديم الإثخان في الأرض والسيادة فيها على المنافع العرضية، بمثل فداء الأسرى من المشركين، وهم في عنفوان قوتهم وشوكتهم وكثرتهم.
وعلى هذه القاعدة (١): جرت الدول العسكرية في العصر الحديث، فإذا رأت من البلاد التي تحتها أدنى بادرة من المقاومة بالقوة .. نكلت بأهلها أشد التنكيل، فتخرِّب البلاد وتقتل الأبرياء مع المشاغبين، بل لا تتعفف عن قتل النساء والأطفال بنيران المدافع وقذائف الطائرات والدبابات، ولكنَّ الإِسلام -